كتب: علاء كعيد حسيب
قبل سنتين بالتمام و الكمال، ليلة الجمعة 23 أبريل 2021، فقد المغرب مناضلا من طينة خاصة، مناضلا يساريا رسم مسارا من الشهامة و الوطنية و عزة النفس و الكرامة، مناضلا كان رمزا للإخلاص و الوفاء، مناضلا إسمه علي بوشوى.
و بوفاته في ليلة باردة من ليالي شهر رمضان المبارك، تكون صفحة اخرى قد طويت من كتاب اليسار المغربي، مخلفة معها تاريخا مجيدا في حب الوطن و النضال لأجله. بوشوى، أو سي علي كما يناديه أحباؤه و معارفه و أهل قريته تغدوين التي أحبها طوال حياته، من مولده حتى وفاته، جعلنا ندرك، جميعا، أن الوطن يسمو على كل شيء و أن حبه من حب الله.
قبل خمس سنوات و نيف، و بالتحديد في يوم الثلاثاء 17 أكتوبر من سنة 2017، إلتقيت علي بوشوى، للمرة الأولى، بقريته تغدوين، أثناء نشاط خيري نظمته جمعية الإنطلاقة للتنمية المستدامة التي يرأسها الفاعل السياسي و الجمعوي محمد بوسالم زوج ابنة سي علي الحقوقية و الجمعوية الدكتورة فاطمة بوشوى. كان بشوشا هادئا بقدرة رهيبة على التجاوب مع أجيال تصغره، دون ان يشعر مخاطبه بفارق السن و التجربة.
كانت، بالنسبة إلي، فرصة لا تعوض للنبش في تاريخ رجل بحجم علي بوشوى، عايش الأهرام و عاصر المحطات التاريخية الحاسمة التي كان له فيها موقف و كلمة.
إستأذنته في إجراء حوار معه، فرحب بذلك بكثير من الطيبة و الكرم، فكان هذا الحوار الذي يعتبر الوحيد، على ما أعتقد، الذي أجراه سي علي بوشوى، طوال حياته.
و من باب الأمانة، وجب علي التأكيد، للتاريخ، بأنني قمت بممارسة نوع من أنواع الرقابة على عدد من النقاط التي طرحها سي علي، ربما، لأنه كان صادقا كما دوما و نحن ما زلنا جبناء كما دوما، لأننا لم نصل بعد مرحلة الدولة التي يمكن البوح فيها بكل شيء دون أن يصبح الصدق حديثا أكثر من اللازم و عنوانا للمقصلة.. تلك الدولة التي ناضل بزهرة عمره من أجل أن نعيش فيها، لكن للأسف، ما زالت الطريق طويلة أمامنا، مع أننا مؤمنون بالوصول إلى نهايتها لأن سي علي بوشوى و أمثاله ينيرون ظلمتنا المستبدة.
ما هي أبرز المحطات النضالية التي عايشها علي بوشوى قبل وبعد الاستقلال؟
قبل الاستقلال، ولجت الكُتَّاب في سن مبكرة، حيث حفظت القرآن الكريم في سن الخامسة عشرة، لأقوم بعد ذلك بتدريس مجموعة من التلاميذ نواحي مراكش. لكن، و بسبب الأوضاع غير المستقرة داخل الأسرة، غادرت قريتي تغدوين صوب مراكش في خضم الحماس الوطني السائد حينها للالتحاق بالحركة الوطنية و المشاركة في المظاهرات من بداية سنة 1953 إلى غاية سنة 1956. بعد مراكش، كانت الوجهة الثانية مدينة الرباط، حيث انخرطت في الجامعات المستقلة لحزب الاستقلال أو ما يعرف بحركة 25 يناير 1959 التي أسسها المهدي بن بركة و الفقيه البصري. بعد ذلك، انضممت إلى حزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية الذي شاركت في جميع أنشطته السياسية ومظاهرته حتى غاية 1969، لأشارك بعد ذلك في خلايا سرية و يتم إلقاء القبض علي في سنة 1973.
بخصوص اعتقالك سنة 1973 ضمن خلية سرية، ما حيثيات ذلك؟
تم كشف الخلية التي كنت أنتمي إليها بسبب خطأ من أحد الأفراد، ليتم اعتقالي على إثر ذلك لأني كنت مسؤولا عن مستودع للأسلحة، و كانت مهمتي تزويد الخلايا السرية في مدينتي الدار البيضاء والرباط بما يحتاجونه منها.
هل كنت من ضمن الخلايا التي يؤطرها الفقيه البصري؟
نعم، جميع الخلايا التي كنت أنتمي إليها أنا و المناضلان الشهيد عمر دهكون و امبارك بودرقة، إضافة إلى خلايا أخرى في مدينة الدار البيضاء كنا نتواصل معهم أو نزودهم بالسلاح، يتم تأطيرها من طرف الفقيه البصري.
ما دام الحديث أوصلنا إلى الفقيه البصري، ما الذي يتذكره علي بوشوى عن هذه الشخصية التي أسالت الكثير من الحبر؟
ما زلت أتذكر حادثة رشقه بالطماطم، من طرف مجموعة من الشباب الذين رفضوا مضمون خطابه الذي ألقاه في تجمهر بالأوداية بمناسبة إنتخابات سنة 1963، قبل أن يتدخل شبان من المؤيدين له لإيقافهم.
ماذا عن المهدي بن بركة و عبد الله إبراهيم؟
التقيت بالمهدي بن بركة عدة مرات وجالسته مرارا، كما ذهبت سنة 1962 مشيا على الأقدام رفقة عدد كبير من الشباب الذين شاركوا في مسيرة، من الرباط إلى سلا، لاستقباله بعد رجوعه من المنفى الاختياري. ما زلت أتذكر محاضراته وندواته التي كانت دائما في مستوى مناضل فريد مخلص في نضاله و مقنع لشباب جعلهم يؤمنون بأن النضال من أجل الوطن هو كل شيء.
أما عبد الله إبراهيم، فقد عشت معه محطات عديدة، من قبل الإستقلال إلى الحكومة التي ترأسها و حتى محاضراته، و ما زالت ترن، لغاية الآن، في مسامعي، مقولته بإحدى المحاضرات التي تمحورت حول الدساتير، و التي قال فيها: “كنا ننتظر من الناس أن يتعلموا جيدا و ينالوا قسطا مهما من الثقافة، لكن جل الشباب تعلموا فقط كلمة: نعم”.
هل تعتقد أن النكران و الإقصاء و التهميش كان جزاء المناضلين الحقيقيين الذين ناضلوا و ضحوا من أجل هذا الوطن؟
لكي أكون صادقا، فالواقع أكد بان المناضلين الحقيقيين سلبوا من جميع حقوقهم. إذ ظهرت، بعد الإستقلال مجموعة من الأفراد تحمل صفة مقاوم، وهي لا علاقة لها لا بالمقاومة ولا بالنضال، فيما المقاومون الحقيقيون تم حرمانهم من كل شيء، فمنهم من تم التنكر له و منهم من تم إعدامه أو اختطافه أو نفيه إلى الجزائر.
بصفتك ابن الحوز، من هم المناضلون من أبناء الإقليم الذين كانوا رفاقا لك في النضال؟
من المناضلين الحقيقيين الذين أذكرهم من أبناء إقليم الحوز: إبراهيم شعبي، حماد آيت المحجوب و إبراهيم بن زيدان.
هل كنتم تنتمون إلى خلية واحدة و لديكم إتصال فيما بينكم ؟
شخصيا، كان لي ارتباط مباشر بالقيادة المركزية بالرباط، و كنت حينها أسير خمس خلايا، بعضها سرية.
ماهي رسالة المناضل علي بوشوى لشباب اليوم ممن لم يعاصروا استعمارا و لا قمعا و لا اضطهادا؟
أقول لهم أن الوطن فوق كل شيء.. أن يهتم الإنسان ببلاده و وطنه، لأن “هاد البلاد هي لي تخلق فيها و خاصو يدافع عليها، لأنه ما غاديش يعيش فشي مكان آخر. و لي بغا يكون راجل خاصو يكون راجل فبلادو”.