حقيقة المعاناة والإقصاء الذي يعيشها الأشخاص في وضعية إعاقة بالمغرب
ـ بقلم: قاسمي حميد ـ
بينما تحتفل الدولة المغربية على غرار الدول في أنحاء العالم في كل عام مثل هذا اليوم الأممي للأشخاص في وضعية إعاقة الذي يصادف الثالث دجنبر من كل عام، نجد أنفسنا في المغرب أمام واقع مرير يتناقض مع الشعارات البراقة التي تُرفع في مثل هذه المناسبات. هذا الواقع يكشف عن معاناة عميقة وإقصاء ممنهج يطال ملايين المواطنين الذين يُفترض أن تُحترم حقوقهم الأساسية وفقاً لما تنص عليه المواثيق الدولية والدستور المغربي.
الإقصاء في التعليم: حق يُهدر
لا يزال التعليم يشكل إحدى أكبر التحديات التي تواجه الأشخاص في وضعية إعاقة. على الرغم من بعض الجهود المحتشمة التي تُبذل هنا وهناك، فإننا نجد أن البنية التحتية للمؤسسات التعليمية غير مهيأة لاستقبالهم، والبرامج التعليمية نادراً ما تأخذ بعين الاعتبار احتياجاتهم الخاصة. الأطفال الذين يعانون من إعاقات سمعية أو بصرية، على سبيل المثال، يُحرمون من التعليم الجيد بسبب غياب الأدوات والمستلزمات المناسبة، التي تخص هذه الفئة فضلاً عن ضعف تكوين المعلمين في هذا المجال.
الإقصاء في الصحة: معاناة مضاعفة
فيما يتعلق بالقطاع الصحي، يُواجه الأشخاص في وضعية إعاقة تمييزاً صارخاً، حيث تفتقر المراكز الصحية والمستشفيات إلى المعدات والخدمات الملائمة لتلبية احتياجاتهم. إضافة إلى ذلك، يُعانون من غياب برامج مخصصة لإعادة التأهيل أو الدعم النفسي، ما يزيد من تفاقم حالتهم الصحية ويُضعف قدرتهم على العيش بكرامة.
النقل المجاني: حلم بعيد المنال بالنسبة لهذه الفئة المهمشة
في بلد يُفترض أنه يسعى لتحقيق العدالة الاجتماعية، نجد أن التنقل لا يزال يشكل تحدياً كبيراً للأشخاص في وضعية إعاقة. فعدم توفر وسائل نقل عمومي مجهزة، وغياب أي التزام فعلي بمجانية النقل لهم، يجعلهم يعيشون عزلة إجبارية تعيق مشاركتهم الفعّالة في المجتمع.
غياب التمتع بالحقوق الأساسية: إلى متى؟
ما يثير الاستغراب هو استمرار الإقصاء والتهميش رغم توقيع المغرب على الاتفاقية الدولية للأشخاص ذوي الإعاقة مند سنة 2009. هذه الاتفاقية تُلزم الدولة المغربية بضمان المساواة في التمتع بالحقوق الأساسية مثل التعليم، الصحة، الشغل، ومجانية النقل والحق في العيش بكرامة…ومع ذلك، نجد أن التطبيق الفعلي على أرض الواقع يكاد يكون منعدماً.
ونحن كأشخاص في وضعية إعاقة، لن نحتفل… سنناضل
نحن كأفراد وتنسيقيات ومجتمع مدني نرفض أن نحتفل بيوم الأشخاص في وضعية إعاقة في ظل هذا الواقع المزري. الاحتفال ينبغي أن يكون تتويجاً لإنجازات ملموسة، وليس مجرد مناسبة لرفع الشعارات، أو التكلم في جملة او جملتين خلال النشرة المسائية على شاشة التلفاز. لهذا، يجب أن يكون هذا اليوم فرصة للنضال والتذكير بمطالب هذه الفئة التي تعاني بصمت.
أسئلة حارقة… إلى من يهمه الأمر
ـ إلى الإعلام العمومي والخاص: لماذا يتم تجاهل قضايا الأشخاص في وضعية إعاقة؟ هل هو جهل بحجم المعاناة، أم خوف من كشف حقائق محرجة؟
ـ إلى النشطاء والمنظمات الحقوقية: لماذا لا تتصدر قضية الإعاقة أولوياتكم؟ هل هو تقصير أم خوف من مواجهة الواقع المر أو كما يقال بالدارجة هذا الملف مافيه ربح؟؟
ـ إلى المنظمات الدولية والوطنية: لماذا يظل الدعم مجرد شكليات دون نتائج ملموسة على أرض الواقع؟
نعم، قضية الأشخاص في وضعية إعاقة ليست مجرد ملف اجتماعي ثانوي، بل هي قضية إنسانية بامتياز. على الجميع، من أفراد ومؤسسات، تحمل مسؤولياتهم والعمل على تحقيق العدالة الاجتماعية الشاملة. فلنتوقف عن الاحتفال الزائف، ولنعمل من أجل التغيير الحقيقي.
فالنهاية بهذه المناسبة نهنئ اخواننا وأخواتنا الذين هم في وضعية إعاقة على يومهم هذا الأممي العظيم، اليوم الذي يتم فيه تذكيرهم بمشاكلهم بدل إيجاد حلول لها؛ يوم تتنافس فيه الجهات المسؤولة على إطلاق الشعارات الرنانة، بينما تظل الأرصفة غير مهيأة، والمصاعد معطلة، والحقوق مجرد أحلام مؤجلة.
نبارك لهم بهذه المناسبة العظيمة التي تصادف عاماً جديداً من نفس التهميش والإقصاء، حيث يتم الحديث عنهم دون إشراكهم، وحيث تقام احتفالات “للتوعية” في قاعات فاخرة.
كل عام وأنتم بخير مع الأمل الدائم في أن يتحول “الاعتراف بكم” إلى عمل ملموس، وليس مجرد فقرة في أجندة العلاقات الدولية العامة!