رسالة إلى السيد وزير الصحة “حول مستوصف القصبة“
( الصور خاصة بموقع كش بريس) ـ
(تامراكشت) أو مدينة القصبة الموحدية كما هي معروفة حاليا، عندما خطط الموحدون لبنائها، كانت رغبة قائدهم الذي اختار موقعها، أن تكون عظيمة بعمرانها، مستقلة باقتصادها وتجارتها، مستقرة بساكنتها، كل من سكنها أو زارها، لا يحتاج إلى الخروج منها لقضاء أو شراء أي شيء مطلقا، بنى بها الموحدون الدور والقصور، وشيدوها على جانب كبيـر من الإتقان، وجعلــوا بها أماكن للعلـم، ـ مساجد وخزانات عظيمة ـ، إضافة إلى (اسويقة) هائلة عبارة عما يسمى حاليا لدى الغرب ب(الأسواق الكبرى الممتازة) ….، إلى غير ذلك من المظاهر الحضارية الرائعة.
إن الحديثة عن مدينة (تامراكشت) أو القصبة الموحدية من حيث عظمتها وبهاؤها وما تختزنه من ذاكرة تراثية وعمرانية وحضارة… حديث ذو شجون، حيث لم تنل هذه المنطقة من مراكش حظها من الدراسة والبحث كما هو الأمر لدى باقي المناطق الأخرى، مما يدفع بنا إلى طلب أبناء ساكنة هذه المدينة ومثقفيها للبحث في تاريخ حضارتها، والكشف عن كنوزها التي لازالت حبيسة النسيان أو التناسي.
أما مناسبة هذه التوطئة، فهي التذكير بعظمة هذه المدينة، وإشعاعها التاريخي والحضاري، عكس ما تشهده المدينة اليوم ـ ونسجله بألم واستغراب ـ من تهميش وتخريب على العديد من المجالات والأصعدة، وقد قدمنا مثالا صارخا في مقال سابق عن حالة المسجد الأعظم بالقصبة أو مسجد المنصور، والوضعية الكارثية التي يوجد عليها اليوم، وأزمة الساكنة مع أداء الصلوات المفروضة عليهم، خاصة صلاة الجمعة، متوجهين إلى السيد وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية باعتباره المسؤول الأول عن المساجد، راجين منه التدخل بحزم للحد من مأساة هذا المسجد ومساجد أخرى داخل مدينة القصبة، ولازلنا كساكنة القصبة نأمل في أن تحرك النخوة والغيرة على الإسلام سيادته من أجل التدخل لحمايته قبل فوات الأوان. واليوم تواجهنا معضلة فضيعة أيضا، وهي في مستوى سابقتها أو أكثر، تلكم هي مشكلة مستوصف القصبة الوحيد الذي كانت تقصده الساكنة منذ أزمان لتعالج به أو تستشير القائمين عليه حالات مرضية خاصة بهم أو بأجنتهم، أو آبائهم وأمهاتهم، ورغم عدم رضى هذه الساكنة عن الخدمات المقدمة في هذا المستوصف، فإن الجميع كان قانعا في انتظار أفق أفضل ظلوا ينتظرونه، وذلك من قبيل: مستشفى للولادة مثلا، قاعات للكشف بالأشعة أو الرنين المغناطيسي، جناح لعلاج الكسور أو بعض الأمراض والحوادث الطارئة، وأشياء من هذا القبيل تثبت للساكنة اهتمام وزارة الصحة برعايا صاحب الجلالة، والتفاتة المسؤولين إلى هذا الجانب الحساس داخل جميع المجتمعات الإنسانية، لكن شيئا من ذلك لم يحدث، بل الأنكى والأدهى من ذلك، أن المستوصف الوحيد الذي كان
يستقبل الساكنة رغم محدودية الخدمات المقدمة به وانعدام جودتها، أقدمت وزارة الصحة مؤخرا على إغلاقه، وأنزلت العلم المغربي من فوق بنايته، كما أزاحت اليافطة التي كان عليها اسمه الذي يعرفه به الناس، وحفرت حيطانه وجعلته عبرة لكل من يراه، حيث شوهت من وراء هذا الفعل المنظر العام للشارع الذي يتواجد به، علاوة على حرمان الساكنة من هذا المرفق الذي رغم أنه لا يقدم شيئا كثيرا، إلا أنه كان يريحهم نفسيا انطلاقا من إحساسهم بأنهم زاروا المستشفى، والتقوا مع ممرض أو طبيب، أما الطموح فقد كان أبعد من ذلك، حيث كنا نحلم كثيرا بأن تستعمل وزارة الصحة نفوذها، وتشتري المرفق الذي كان عبارة عن سينما تحمل اسم “سينما موريطانيا” (لقد أغلقت أبوابها منذ أمد بعيد)، وتضيفه إلى بناية المستوصف الأصل، وتوسعه، وتجعل فيه اختصاصات في خدمة الساكنة تجعلها في راحة من التنقل لمستشفى ابن طفيل أو مستشفى ابن زهر، لكن أحلام الكل باءت بالفشل، وأصبنا بخيبة الأمل التي نجمت عن هذا الإغلاق الطويل الأمد، والذي لم تعرف لحد الآن أسبابه، وبدأ الساكنة يخمنون، فمنهم من يتحدث عن نقل الخدمات لمستوصف سيدي عمارة، والإغلاق النهائي لمستوصف القصبة، وهناك من يقول بأنهم يعملون على محو هذا المستوصف من الذاكرة الجماعية للساكنة، وذلك تمهيدا لإقامة مشروع آخر محله مذر للربح، قد يكون إقامة سياحية أو غيرها، وكثرت الأقاويل والإشاعات، فهل من سامع لأقوال سكان مدينة القصبة، ويخبرنا خبر اليقين بالوقت المحدد الذي ستبدأ فيه أشغال البناء، ومتى ستنتهى؟ أم أن أمر الإصلاح ما هو إلا تقية لتحقيق أهداف أخرى خفية؟، فما رأي السيد وزير الصحة في هذا؟.