مع الدكتور عبد القادر محمدي
(أستاذ الانثربولوجيا بجامعة محمد بن عبد الله بفاس)
إنجاز : د. محمد فخرالدين
ـ في لقاء مع الدكتور .عبد القادر محمدي أستاذ باحث.بكلية الأداب سايس- فاس ،جامعة سيدي محمد بن عبد الله غوصا خفيفا في تجربته العلمية و الاكاديمية و التربوية ..
مسرور بلقائكم قراءنا الكرام ،في هذه الحلقة من حلقات العلم و الحياة ،غوص في تجربة اساتذة جامعيين و تربويين ، هذه الحلقات التي هدفها المساهمة في اضاءة مسار و تجربة أساتذتنا الفضلاء في مختلف مؤسساتنا الجامعية ، الذين ابلوا البلاء الحسن في تكوين الناشئة في مختلف المجالات و تعليمهم أن العلم و المعرفة لا تنفصلان عن الحياة ، و مسرور أيضا بلقاء د . عبد القادر محمدي، أستاذ باحث ، مسار حافل بالانجاز و العطاء و البحث الاكاديمي … فمرحبا بكم استاذنا الفاضل :
1 ـ هل من كلمة أولى تقدم بها نفسك للقارئ :
الدكتور عبد القادر محمدي استاذ باحث بكلية الأداب سايس- فاس، جامعة سيدي محمد بن عبد الله .
2 ـ مشكور جدا على قبول الدعوة ، ما ذا لو اخبرتنا عن تجربتك العلمية و الاكاديمية ـ المسار العلمي و المهني ـ و ما تريد أن تضيئ به هذه الحلقة من العلم و الحياة ..
ج: تجدر الإشارة إلى أن اختياراتي البحثية ليست وليدة الصدفة ولم تأتي اعتباطا، بل كانت محصلة تأمل وتفكير وتمعن واستشارة وكذلك نتيجة ما تمت مراكمته من تكوين وذخيرة معرفية، غير متنائية عن تأمل ومساءلة كل الوقائع والظواهر الثقافية والاجتماعية التي تتحرك أنساقها السيميائية؛ في خضم جدلية مجريات يوميات حياتنا المحلية المتحولة والمتبدلة باستمرار لا متوقف. عطفا على ذلك، إن تجربتي واهتماماتي العلمية والمعرفية؛ توجت بمناقشة عمل أكاديمي في صيغة أطروحة جامعية لنيل شهادة الدكتوراه حول طقوس جماعة كناوة بالمغرب .
2 ـ في هذا السياق ، كيف تطورت أهتماماتك الأكاديمية و توسعت مجالات الاشتغال في الجمع بين الثقافة العالمة و الشعبية ؟
ج : وفيما يتعلق بسياقات الامتداد، ظلت تأملتنا واهتماماتنا غير بعيدة عن الموضوع الذي اشتغلنا عليه ، حيث تم العمل على توسيع آفاقه و تعميق إشكالياته و العودة إلى تدقيق ومراجعة بعض خلاصاته الأولية على ضوء ما اكتشفناه من عناصر جديدة منفلتة من ثنايا هذا الموضوع ، أو عبر ما تم اكتسابه من سلاح منهجي جديد قادنا إلى القيام ببعض المراجعات وتعديل مقارباتنا وتنويع زوايا نظرنا، لأن في ذلك إمكانية لمراجعة المسلمات وإعادة النظر في البديهيات واليقينيات، التي تحكمت في سياق ما توصلنا إليه من استنتاجات، لتطوير معرفتنا سواء بهذا الموضوع، أو تمديد أفق انتظارنا ليطال مواضيع أخرى قريبة منه تحفل بها الأنساق السيميائية المحركة للثقافة المغربية، سواء في شقها المرتبط بالثقافة العالمة أو الشعبية؛ وعلى رحابة هذه الثقافة وسعة مجالات تحققها وارتحال علاماتها بين أنساق مختلفة، وأزمنة متباينة وجغرافيات متنائية، فإن مشروعنا، وفي خضم جدلية جموح الرغبة وقصور الفكر أمام غنى واقعنا الثقافي وثرائه …
3 ـ كيف تناولتم موضوعا صعبا و مركبا مثل الثقافة الشعبية ؟
ج : توقفنا عند دائرة الثقافة الشعبية المحلية، المرتبطة بالناس في حياتهم اليومية ، مثيرينا في ذلك الانحياز وإعادة الاعتبار ليوميات المعيش الثقافي المحلي، كوحدات وأجزاء ترسم لنا خريطة الطريق المشكلة للخيوط الكبرى لنسيج هذه الثقافة؛ كأداة تواصلية تضعنا في عمق قضايا أنثروبولوجية، تتناول الواقعي والأسطوري والتقاليد والمتخيل والعادات ، في رموزها وفضاءاتها، أو في صياغتها وتشكيلها للوعي لدى الفرد أو الجماعات؛ الفاعلة والمنفعلة بسياقات واقع بلادنا وعلاوة على ذلك، تشكل منطلق مشروع اهتمامنا العلمي من دراسة مظهر من مظاهر غنى وثراء ثقافتنا …
4 ـ يحضر الجسد كأداة تعبيرية و كموضوع في ثقافتنا الشعبية، كيف تناولتم ذلك ؟
ج : يتعلق الأمر بمواكبة حضور وتمظهر الجسد في مختلف سياقات الثقافة الشعبية المغربية، المتعددة التي تمتح مرجعها من متوالية معجمية بصرية متحركة، تتخذ من لغة الجسد الصامتة أداة تعبيرية؛ تلعب دورا أساسيا في التفاعل الإنساني وفي عرض إيقاعات توقيع الذات، الحاملة لفكر ومتخيل شعبي متمايز ثقافيا واجتماعيا واقتصاديا، وكذا في مختلف التعبيرات الفنية والإبداعية، المزاحة قسرا عن التداول في مجال قيم المعارف الأكاديمية التي كانت تعتمد منظورا طوباويا، يعزل الممارسة الثقافية عن نسيجها الاجتماعي، ويدرجها ضمن قائمة السجلات الرمزية الفكرية والإبداعية، المجردة التي تعد امتدادا لجسد أقلية اجتماعية توصف بالنخبة، المعتمدة كذاكرة رسمية، ينحت من خلالها البراديغم المقبول ثقافيا واجتماعيا وسياسيا؛ الشيء الذي أفرز سياقا مشحونا بصراع هوياتي، تدور رحاه بين ثنائية إثبات هوية ثقافة النخبة كممثل للمركز، ونفي هوية ثقافة الشعب كممثل للهامش.
4 ـ لا شك ان لكل استاذ باحث تصور خاص عن المادة التي يدرسها، فما هو تصورك للمادة المدرسة كتخصص بحثي علمي و اكاديمي ،و ما علاقة مادة تخصصك كمعرفة علمية بالحياة و المجتمع :
ج: إن عملية التدريس في الجامعة تقتضي الانفتاح على مواد وحقول اشتغال جديدة ومتنوعة، لتطوير الكفاءة العلمية والبيداغوجية وارتياد آفاق بحثية أخرى، إذ أن أنجع طريقة لفهم وتمثل قيم مادة معرفية ما؛ هو القيام بتدريسها وتداول عملية البحث بصددها، إن أهمية التفاعل مع مضامين هذا التعدد في المواد الأنثروبولوجية، يتيح عبر أدواته الواصفة وأجهزته التصويرية إمكانية تثبيت الفعل الاجتماعي والثقافي في الزمان والمكان، وتحويل متونه المتعددة، من سياقاتها الرمزية الأسطورية والعملية المتحركة، إلى مواضيع قابلة لدراسة وتحليل بنيات مجتمعاتنا المحلية، وموضعتها وسط الجدلية المتحولة ليوميات واقعنا الآني، التي لا يمكن أن يستقيم الحديث عن تنميتها وتطويرها دون الأخذ بعين الاعتبار الدور الذي يمكن أن يضطلع به الدرس الأنثروبولوجي في شموليته في هذا الصدد.
5 ـ ماهي المحاور أو الركائز التي اعتمدتم عليها في مشروعكم العلمي التعليمي ؟
ج : وعلى ذلك، تم تشييد أعمدة مشروعنا التعليمي والبيداغوجي، لتدريس الأنثروبولوجيا، انطلاقا من أساس تساؤلي فحواه ما يلي:
- كيف وبأي طريقة نتحول، كأساتذة باحثين وطلبة ومهتمين، إلى مشاركين وفاعلين منتجين للمعرفة في ميدان الأنثروبولوجيا، بعدما كنا في سياق تاريخي، ولأمر ما، موضوعا مغرضا يؤثث مفاصل هذه الأنثروبولوجا؟
- أي درس يمكن استنتاجه منهجيا من ما تم تحقيقه في المعرفة الأنثروبولوجية حتى الآن؟
- كيف يتم توظيف هذا التراكم الحاصل، في حقل الدراسات الأنثروبولوجية، وصياغة مقاربة جديدة انطلاقا منه، تفتح ممرات تخرج حلقات برودة الدرس الأنثروبولوجي في الجامعة إلى حياة الناس اليومية ؟
من أجل الإجابة على بعض هذه التساؤلات، يجب التوقف مليا على محورين، ويتعلق الأمر بـ :
- أسئلة منهج الدرس الأنثروبولوجي
- صيغ اختيار وإعداد البحث الأنثروبولوجي
6 ـ و ما ذا عن الطريقة البيداغوجية التي اعتمدتموها في تقريب المادة العلمية ؟
ج : إن السؤال الأساسي الذي يفرض نفسه على أي أستاذ باحث في بداية أي موسم دراسي جامعي جديد، ينبني على الطريقة البيداغوجية التي يجب تفعيلها لتجويد المادة المراد تدريسها ، حيث ينبغي أن يقوم أساس التدريس على البحث العلمي ومبدأ السؤال وانتقاء الأدوات الإجرائية، نشدانا لتواصل بيداغوجي يسهم في تقديم الأسس النظرية والعلمية من وجهة نظر جديدة، إذ يتأتى ذلك، بفضل البحث والتساؤل الدائم، لتجاوز كل الأشياء التي يمكن أن تتجاوز، فالتجديد يقتضي منا كباحثين القراءة كأداة لمواكبة ما يصدر من جديد في الغرب أو الشرق أو في المغرب، سواء بصدد اهتماماتنا أو بصدد ما نقوم بتدريسه من مواد، دون نسيان تحبيب هذه الأداة، أي القراءة، لطلابنا والاستئناس بها واستحضارها في جميع الالتباسات، والإشكاليات، والمآزم، والانكسارات، والنجاحات، والانتصارات، التي تخرق متواصل الجدلية المتحولة لمعيشنا اليومي…
7 ـ كيف ترون مصير الدرس الانثربولوجي مستقبلا في الجامعة المغربية ؟
ج : ما نود الإشارة إليه، هو أننا نرى قدرتنا ناقصة بدعوى جعل الدرس الجامعي الأنثروبولوجي ملتقى للأخذ والعطاء، بدون استجواب أولا كينونتنا الذاتية وما تتوفر عليه ذخيرتنا وزادنا المعرفي من وعي أنثروبولوجي ونقد لنمط حضوره بيننا من داخل بنيات خطابه، وبنيات تداوله واحتضانه لا من خارجها فقط، وذلك لإنعاش وتحفيز عملية الإقبال على هذه المعرفة الأنثروبولوجية من لدن جميع الطلبة كيفما كانت تخصصاتهم الأصلية سواء من لدن طلبة علم الاجتماع أو علم النفس أو الفلسفة والتاريخ ولما لا في باقي التخصصات العلمية والطبية الدقيقة إلخ؛ إن هذه المعرفة الأنثروبولوجية تحمل في كنفها هم إصلاح وهن الذاكرة وسد ثغرات ثقوبها وحفظها من الضياع وآفة المحو والنسيان، ونحن كأساتذة باحثين في هذا الحقل مطالبون بتعزيز قيم صون وحفظ هذه الذاكرة؛ لدى مختلف الأجيال من الطلبة، إن الثقافة في غياب ذاكرة حيوية ومتحركة، تصير مجرد وعاء آلي، يملأ ويبرمج حسب رغبات وأهواء قيم
مغرضة؛ قادمة من سياقات وملابسات مختلفة، ولا سيما في ظرفية كوكبية تتميز بتراجع إن لم نقل أفول قيم الفكر النقدي، وانتشار الايديولوجيات المتطرفة التي تعمل على تعطيل طاقة العقل وجدلية الحوار والترافع، فضلا عن ثقافة الاستهلاك والتقليد دونما عنوان لأي تأمل ومراجعة لما تقوم الذات بتقليده، ولعل ما يستوجب على الدرس الأنثروبولوجي القيام به؛ هو محاولة الارتقاء بالطلبة، من مستوى حالة التقليد والانكفاء إلى حالة الإبداع والنقد، من أجل فهم أفضل لذواتنا والعالم الذي نعيش فيه؛ عبر خلق سياقات تفاعلية غنية بنبض إيقاعات المجتمع؛ في علاقاته سواء مع مكوناته، او في علاقاته مع محيطه الثقافي والإيكولوجي؛ ولا سيما في ظرفية يمتص مناخها، الفكر النقدي ويكرس انتشار الايديولوجيات والأساطير التي تغيب العقل والمنطق؛ وكل ما من شانه تقليص فهم الإنسان لوجوده ورغباته، وتدمير ثقافته ومجتمعه.
8 ـ حسنا ،كيف ترون تشجيع الاقبال على هذه المادة من طرف الطلبة و الباحثين ؟
ج : يبقى السؤال الأساسي، الجدير بإيقاظ إنسانية الإنسان من سباتها العميق ، يؤرقنا فأية خطة جديرة باتباع علامات طريقها، في سبيل بلوغ مستوى إقبال عال لمادة الأنثروبولوجيا، كأهم المواد الحاملة لقيم الوعي والنقد، لطلبة جامعاتنا ؟ لا مراء أن ميادين الأنثروبولوجيا تشكل دائرة من المعارف النظرية والتجارب الميدانية، تحيط بالإنسان وترافق سيرورة وجوده الطبيعي والثقافي، وما نتمناه حقا، أن يكون طلبتنا في أتم الاستعداد لتلقي هذه المعارف ومعاينة الوقائع، ومواكبة جديدها ومناقشته ونقده، وتجاوز وضعية الدرس الجامعي التعليمي التلقيني، إلى وضعية أكثر غنى ورحابة وجاذبية، وبلوغ هذا الأمر رهين بمدى تحبيبنا الطلبة لهذه المادة وعدم توقفنا عن سبل البحث والتحسين والتطوير والدعم ، عبر أسلوب مقاربة لا يخلو من بعد معرفي وجمالي وحس ميداني، مسنود بتوجيههم لقراءة أمهات الكتب التي تحفل بها المدونة الأنثروبولوجية، كالمدرات الحزينة، الغصن الذهبي، الأسطورة والمعنى، الاسم العربي الجريح، الشيخ والمريد إلخ، هذا فضلا عن تعريفهم بتاريخ الأنثروبولوجيا، وأهم المحطات التي خرقت متواصل هذا العلم، وأهم الرواد الذين قادوا رحلته، دون نسيان مدهم في بداية كل موسم جامعي جديد، بمسرد أنثروبولوجي محين، بهدف تمكين الطالب من زمام المبادرة والابتكار وإنتاج الأفكار، والتطلع للعب دور الباحث المشارك في دراسة واقعه المحلي، فنجاح المشاريع البيداغوجية الجامعية رهين بانخراط طلابها بالدرجة الأولى، فبعد أن يتهيأ الطالب- كما تقول الحكمة الطاوية- يأتي المعلم ثم باقي الأطراف الفاعلة من هيئة إدارية وتقنية.
9 ـ أين تكمن أهمية درس الانثروبولوجيا في نظركم ؟
ج : وعلى ذلك، تكمن أهمية درس الأنثروبولوجيا ، بإثارته لأسئلة جوهرية ، تتعلق بماض الإنسان وحاضره ومستقبله ، وافتراضاته لأجوبة، غير جاهزة سواء كانت إيديولوجية أو عقائدية ، لفهم انفسنا والعالم الذي نعيش فيه، انطلاقا من أساس فكري قائم
على فكرة الاختلاف وفكرة الغيرية والتعددية للظواهر الثقافية مع الإقرار بوحدة النوع البشري ، واعتبارا لهذه القيم النبيلة التي تحملها مضامين المعرفة الأنثروبولوجية ، فإنه ملقاة على عاتقنا كأساتذة استثمار كل هذا المتاح المعرفي والجمالي والقيمي؛ ونقله إلى الطلبة بمنهجية بيداغوجية فعالة تؤمن النهل من هذه المعرفة التي تدعو لتجاوز القناعات الجامدة وتحارب في نفس الآن فكرة التعصب والتمركز الثقافي حول الذات ، و تدعو لقبول الآخر والاستفادة من تجاربه من منظور حواري حر وتأويل متواشج مع أسئلة يحبل بها واقعنا الذي لا يكف عن التحول والتغير في سياق عالمي يجنح نحو العنف وهيمنة العولمة الاستهلاكية.
10 ـ أريد ان أسالكم استاذنا الفاضل عن علاقة المادة المدرسة بالمؤسسة الجامعية و انفتاحها على محيطها وهو مطلب يزداد الحاحا في عالم اليوم ..
ج : عموما إن أعز ما يطلب من تدريس أي مادة في أي مؤسسة جامعية هو امتداد نفعها وجدوتها في المحيط، وعلى ذلك فإن ما نطمح إليه عبر تدريس مادة الأنثروبولوجيا هو الاهتمام بالإثنوغرافيات الثقافية والاجتماعية المحلية المغربية، عبر إثارة اهتمام الباحثين الجامعيين، أساتذة وطلاب، في حقل الدراسات الأنثروبولوجية، إلى أهمية ظواهر وقضايا الأنساق السيميائية المحركة لهذه الثقافة ولفعلها الاجتماعي، في معرفة تشكل الهويات والتصورات الذهنية والمعتقدات الشعبية ومتخيلاتها الرمزية، وحفز الطلاب وتوجيههم إلى إنجاز أبحاث حول ثقافتهم وممارسات مجتمعاتهم المحلية، حتى يلعبوا دور الباحث المشارك – بلغة الأنثروبولوجيين – في حركية الثقافة والفعل الاجتماعي الذي يتنفسون فيه ويساهمون في فعل التنمية، بما يعود بالنفع المادي والرمزي على مجتمعاتهم ووطنهم.
11 ـ ماهي إذن آفاق التطوير لجعل المعرفة العلمية المدرسة بالجامعة في خدمة المجتمع ...
ج : تكمن آفاق التطوير لجعل المعارف المدرسة بالجامعة في خدمة المجتمع، عبر بناء واختيار المقررات الجامعية حسب حاجيات المجتمع المادية والرمزية، فضلا عن توجيه الباحثين والطلبة نحو الاشتغال في محيطهم المحلي ليستطيعوا لعب دور الباحث المشارك والفاعل في محيطه الثقافي ، وذلك بالابتعاد عن المواضيع الكبرى، والانحياز بالمقابل لمواضيع؛ تحتفل وتنصت لنبض يوميات الحياة المحلية الاجتماعية والثقافية والاقتصادية، المغيبة عن دائرة الاهتمامات الأكاديمية، اعتبارا لما لدراسة ما هو جزئي من أهمية بالغة في فهم ما هو كلي، فضلا عن سهولة التمكن من ضبط هكذا مواضيع ميكرو اجتماعية وأنثروبولوجية غير بعيدة عن الواقع المحلي للطالب والذي يتطلب منه تقديم خدمة له عبر طرح إشكالياته واقتراح افتراضات أجوبة لمعالجتها وطرحها كموضوع قد يتراوح تداوله ضمن بعدين: بعد معرفي اكاديمي( استحقاق علمي، مرجع في خزانة الجامعة…)، أو بعد تدبيري محلي ( حل لمشكل، انجاز لمشروع…).
إن تطبيق المعرفة الأنثروبولوجية، في فهم بنية المجتمع المحلي ودينامياته، التي تم استخراجها عبر المعايشة، لتوظيفها في حل مشاكل المجتمع المحلي هو مجال الأنثروبولوجيا التطبيقية التي يجب استدماجها في أي مشروع بيداغوجي، بهدف مساعدة الطلبة ومجتمعاتهم المحلية على تبني اتجاهات تعتمد مبدأ التعاون والديموقراطية التشاركية في صنع السياسات المحلية في كافة المجالات الثقافية والاجتماعية والاقتصادية وما إلى ذلك عبر خلق آليات للتنسيق بين الجامعة ومحيطها الذي يفترض فيه دعم وتعزيز البحث الأنثروبولوجي وتوفير أدوات ومجالات اشتغال الطلبة الباحثين وتيسير مأموريتهم وتشجيعهم على الاكتشاف والتجريب وابراز مؤهلاتهم وأفكارهم ونتاجاتهم حتى يتأتى لكل طالب العمل وإنتاج الأفضل له ولمجتمعه .
12 ـ بعض العوائق الاكاديمية المرغوب ذكرها..
ج : السؤال الذي يبقى مطروحا، ويبقي على الجهات المعنية عن الإجابة عنه لتجاوز كل المعيقات هو:
كيف يمكن استنبات الدراسات الثقافية والأنثروبولوجية، المهتمة بالأنساق السميائية المحركة للثقافة المحلية المغربية، “السائرة في طريق الشرعنة “[1]بلغة بيير بورديو، في غياب بنيات بحث أكاديمية مؤسسة، تتحمل مسؤولية التدريس ودعوة الباحثين إلى ارتياد مناطق تلك المحليات الثقافية وتوسيع أرجائها البحثية وإبراز خصوصية تجاربها المحلية في تجلياتها المتعددة وديناميتها الثابتة والمتحولة، بشكل منهجي ومنظم يخرجها من دائرة الممارسات الاعتباطية والتوظيفات المغرضة. وذلك عبر إرساء بنيات بحث وشعب تعنى بهذه الدراسات؛ لأن إعادة بناء العلوم والمعارف “خارج التبعية يكون عن طريق تجربة الانتروبولوجيا”، التي عدّها الباحث الأنثروبولوجي المغربي المتميز عبد الله الحمودي.[2]، المدخل الأساس الذي تجري من خلاله عملية “تجديد مختلف العلوم الأخرى”.
كلمة ختامية / حرة
شكرا لإثارة هذه الأسئلة بصدد علاقة الجامعة بمحيطها، أتمنى لكم التوفيق والسداد في بقية المشوار.
ج : شكرا على هاته المبادرة المحمودة وتحية طيبة.
[1] P.Bourdieu, un art moyen, Ed, Minuit, 1965, P 135
2 — عبد الله حمودي، الدرس الافتتاحي لشعبة علم الاجتماع في جامعة محمد الخامس الرباط، الذي ألقاء .، في موضوع “العلوم الاجتماعية وسؤال الاقتباس والتوطين”، الموسم الجامعي 2016- 2017.