
(كش بريس/التحرير) ـ أماطت الندوة الاحتفائية، التي نظمتها كلية الحقوق بمدينة قلعة السراغنة، يوم السبت 12 أبريل 2025، بمناسبة صدور كتاب “في سوسيولوجيا الإعلام والرقمنة: قراءات في المحتوى والوسيط” لمؤله الباحث والإعلامي مصطفى غلمان، (أماطت) اللثام عن جوانب وانشغالات هامة واستراتيجية في منظومة الإعلام الرقمي الجديد، وتقاطعاته المتعددة مع الفواعل التكنولوجية المتسارعة، وتأثيراته القيمية والثقافية في المجتمعات الشبكية الراهنة.

وانصبت جل المداخلات التي سلطت الأضواء على قيمة الكتاب المحتفى به، وجديده الأكاديمي والمعرفي، على أسئلة الإعلام والرقمية، في أبعادها السوسيولوجية والثقافية والاجتماعية، والتقائيتها مع الأنماط الثقافية المتاخمة، وحضورها في السرود الفكرية المجاورة.
كلمة عميد كلية الحقوق بالقلعة الدكتور محمد الغالي، الذي أدار الندوة بالتناوب مع نائبه الدكتور سعيد بنخضرة، كانت منشغلة بجديد الحقل المعرفي الذي يلامسه المؤلف، كدافع سوسيوثقافي منبثق عن تجربة الكاتب “الذي كرس جانبا من حياته المهنية والعلمية” لتطوير وتعزيز آفاق الإعلام كرسالة وكنظام قيمي.

وأشار الغالي، وفق هذا المنظور، إلى تكامل الدراسات الأكاديمية في هذا الشأن، مناديا بضرورة التحفيز على مواكبة المستجدات والظواهر الإعلامية، من موقع الاهتمام بالسوسيولوجيا كنسق ثقافي واعي بالراهن السياسي والعولمي المتلاحق، مؤكدا على استكناه الفهوم الثاوية للعلوم المقاربة والمتموضعة في السياق العام للأكاديميا والبحث العلمي.
أما الكلمة التي ألقاها عالم الاجتماع الفلسطيني المفكر الدكتور إياد البرغوتي، الذي يشارك في الندوة قادما من الأٍراضي الفلسطينية المحتلة، فجاءت مؤطرة ومتساوقة مع الكلمة التقديمية التي تصدرت دفة كتاب “في سوسيولوجيا الإعلام والرقمنة” لمصطفى غلمان، مشيدا بالدراسة موضوعا ومنهجا واختيارات.

وقال البرغوثي، إن الجديد في كتاب الدكتور غلمان، تناوله لموضوعة الإعلام وتأثيره السوسيولوجي والتطورات التي جرت عليه، معتبرا تعويل الكاتب على الوعي وإعادة تشكيله بما يعزز إنسانية الإنسان، اعترافا بدهيا بوظيفة الإعلام خاصة وبشكله الجديد “الرقمنة”.
واستطرد السوسيولوجي الفسطيني قائلا:” إن الكتاب المحتفى به يضعنا أمام سياق إعلام يشكل فرصة أمام الشعوب المستضعفة لنقل مظلوميتها أمام العالم، وهو مجال واسع للنضال لكسب الرأي العام الضروري من أجل الانتصار في أي معركة خاصة، خصوصا إذا كانت ذات طابع أخلاقي”، مبرزا النظر السوسيولوجي لنظرية الكاتب، الذي “عمد إلى بلوغ مرام موضوعه الراهني، انطلاقا من خلفيات الحرب على غزة ودور الإعلام الغربي في توجيهها والاستئثار ببروبجنداها”.
واعتبر البرغوتي “قيمة الكتاب في عدالة القضية، وأهميتها الاستثنائية “لتسويقها” بشكل جيد، مع ما يشكل في الوقت نفسه، من حرمان الآخر المتحكم والمهيمن من أ، يقوم بتسويق ظلمه على شكل عدل، وإجرامه على شكل ضحية..”.

من جهته استقرأ الأكاديمي والباحث الروائي الدكتور جمال بندحمان، سؤال القلق المفهومي لسوسيولوجيا الإعلام والاتصال، مستكنها آفاقه المبتكرة للحقل إياه، في سياق الاهتمام بكتاب صادر “عن مجرب ودارس للأكاديما الإعلامية، في شكلها السيروري والتغييري”. وقال بندحمان، إن “الباحث غلمان يستقصي هذه الوضعية الإعلامية، بعين الراصد والمحلل”، مبديا رأيه في اختيار التيمات العلمية للكتاب، وتطوير مسلكية أو منهجية التحليل، التي “تعمد إلى وضع أسئلة الراهن الإعلامي وتكنولوجيا الرقمنة، وفق تراكمات تخوضها الإنسانية لأول مرة، بعد حالة كمون كلاسيكي في المجال”.
وأضاف بندحمان، أن الكتاب يبدع شكلا جديدا ضمن تحولات مستعصية، مراهنا على تقديم قضايا متداولة فكريا، لكنها تحتاج لاقترابية أكثر استرفادا لحاجياتنا في سياق المنظومة الإعلامية والتواصلية، مشددا على أن مقاربة المؤلف الدكتور مصطفى غلمان لأنساق العولميات والإبدالات الإعلامية، والحدود المعرفية بين قيم المعرفة الخالصة والتشكلات الإعلامية الحديثة في مجال الرقمنة، ومسألة اللغة والإعلام وتمظهرات الفعل السياسي والديني في الحالات الإعلامية المتشابكة، يراكم ابتعاثا جديدا للفكر الإعلامي الذي يخاطب الوجدان القيمي للمتعاقدين والنشيطين فيه، ويوفر هامشا ديناميكيا من التفاعل مع المعارف المتاخمة، كالتاريخ والعلوم الاجتماعية وعلم النفس التربوي وغيرها.

واعتبر المتدخل نفسه، أسئلة الكتاب راهنية واستراتيجية، كونها تلامس الإشكالات الكبرى للحياة العولمية الجديدة، وانتقالاتها المتسارعة عبر كل هذه الفوضى التي بها تكنولوجيات الذكاء الاصطناعي.
أما مداخلة الباحث والإعلامي الدكتور عبد الصمد الكباص، فاشتغلت على مستويات الجذب الثقافية والإعلامية لموضوعة الكتاب “في سوسيولوجيا الإعلام والرقمنة”، معتبرا توقيتها حسما سوسيوثقافيا لمظاهر ومظان الاختلالات والعشوائيات التي باتت تبرمج حالات الانهيار القيمي للعالم الرقمي ومفعولاته.
وأكد الكباص على أهمية الدراسة كفكر وكامتحان سوسيولوجي، في تحديد انشغالات عالمنا الكوني الجديد، مشددا على أنه “رغم تسارع انفراط القيمة الأخلاقية والاجتماعية للمعلومات والبيانات، في عالم يضج بمتاهات التجذيف والاختزالية والتواطؤ والانحراف المهني”، حسب المؤلف، فإن أنشطة المجال الرقمي الآن، في حاجة إلى إعادة قراءة وتقصي ، على اعتبار البيئات الجديدة للشبكيات الرقمية، وحمولاتها الأيديولوجية والثقافية المتقاطعة.
وأبرز الدكتور الكباص، أدوار الإعلام السوسيولوجي في تحليل الخطابات وتضمينها ما يتراكم زمنيا وموضوعاتيا، مع مخلفات الشبكات الاجتماعية وتوازياتها ومضمراتها، مشيرا إلى المناطق المعززة في المؤلف، الذي تحاول توتير مفاهيم التأويل والارتدادات القيمية والأخلاقية، في “مواجهة الكمية والنوعية الكثيفة التي تضج بها وسائل التواصل الاجتماعي، لدرجة الإغراق والإسفاف والابتذال”.

آخر القراءات، جاءت على لسان السوسيولوجي الدكتور ادريس ايتلحو، الذي التقط رسالات كتاب “في سوسيولوجيا الإعلام والرقمنة” انطلاقا من الأسئلة الحارقة، التي طرحها المؤلف، من خلال قراءاته الاستبطانية لأسباب وخلفيات استنباث الجذور البعيدة، في أفق الإعلام الوسيط واشتغالاته، في مضمار مليء بالغموض والارتدادات المفاهيمية المتداعية .
وتقاطعت المفاهيم الفلسفية والسوسيولوجية، وفق المتحدث عينه، مع ما يعتلق من تبعات لهذه المفاهيم والإشكالات، لأبعاد وعلاقات الإعلام الرقمي ومنصاته العائمة في الأكوان الزرقاء البعيدة، مستنتجا أن قراءة غلمان لواقع الإعلام الآن، هو مغامرة محفوفة المخاطر، حيث يحتاج السوسيولوجي الإعلامي إلى مجرات وأشكال بيداغوجية جديدة لتأطير الخطاب.
وخلص ايتلحو، إلى أن مقاربة غلمان لهذه العوالم المتشاكلة، كان بدافع قيمي أصيل، يروم الدفاع والاستشعار بمدى قابلية المجتمع لتخوم هذه التحولات، وارتباطاتها بالأنماط الاجتماعية والثقافية الجديدة.

كلمة المحتفى به وكتابه الدكتور مصطفى غلمان، قاربت الفورة الكبيرة لعالم جديد يتشكل تحت نيران الحروب والفوضى الاقتصادية والثقافية المتلاطمة، مبديا قلقه الأنطولوجي، من تسارع توحش بروبجندا الإعلام الرقمي وتغوله في الشتات القيمي والأخلاقي. ونبه غلمان من تأثير ذلك على جيل كامل من أبنائنا، مناديا بتصحيح فهومنا لاستعمال الوسائط الاجتماعية ومنصاتها الرجيمة، داعيا إلى تحويل مشتل المدرسة والجامعة إلى ورش لتدبير أسئلة التكنولوجيا الرقمية المتسارعة، وقدرتنا على مواجهة آثارها في الوجدان القومي والإنساني والحضاري.

اللقاء شهد في الأخير نقاشا مفتوحا حول مضامين الكتاب، وثق تكريم المحتفى بها الباحث والإعلامي د مصطفى غلمان مع تنظيم حفل توقيع كتابه موضوع الملتقى، كما جرى أيضا تكريم المفكر الفلسطيني الأستاذ إياد البرغوثي، وسط حضور كثيف من المثقفين والأكاديميين والإعلاميين والطلبة، الذين تلقوا حضور العلم الفلسطيني والمغربي جنبا إلى جنب والتفاعل مع نشيديهما الوطنيين، بكثير من الاستحسان والقابلية.