نظم مختبر الدراسات الدستورية وتحليل الأزمات والسياسات بشراكة مع مؤسسة هانس زايدل الألمانية ندوة دولية حول “الهجرة والأمن الإنساني في حوض البحر الأبيض المتوسط“، يومي 24 و25 فبراير 2023، بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بمراكش، عرفت مشاركة وازنة لثلة من الباحثين والخبراء من المغرب وليبيا وتونس وفلسطين، وقد تنوعت أشغال اللقاء بين أكثر من عشرين ورقة قدمها باحثون من تخصصات علمية مختلفة (التاريخ والعلاقات الدولية والاقتصاد والقانون الدستوري والعلوم السياسية وعلم الاجتماع والقانون الدولي واللسانيات والقانون الخاص) موزعة ضمن خمسة جلسات علمية. انطلقت فعاليات الندوة بجلسة افتتاحية تم خلالها التأكيد على أهمية وراهنية الموضوع، في السياقات الدولية والإقليمية والوطنية، وعلى ما تطرحه قضية الهجرة من تحديات
إنسانية، حقوقية، أمنية واجتماعية في ظل التحولات الجيواستراتيجية التي يشهدها العالم، ثم محاضرة افتتاحية ألقاها الدكتور عبد الواحد أكمير(مؤرخ وباحث) الذي أشَر على التطور التاريخي للهجرة بين ضفتي المتوسط التي شكل فيها البحر مجالا للصراع والهيمنة من جهة وعلى التواصل الثقافي من جهة ثانية، قبل أن يصير منذ منتصف القرن العشرين مجالا اقتصاديا بفعل الأزمات التي شهدتها الضفة الجنوبية من المتوسط، مما طرح إشكاليات المواطنة والاندماج.
وقد شكل الإطار المفاهيمي والقانوني للهجرة والأمن الإنساني محور المداخلات التي أطرت الجلسة العلمية الأولى من خلال استحضار التداخل المفاهيمي المرتبط بالهجرة غير الشرعية والدوافع ثم العوامل الجاذبة والطاردة لها، ثم إشكاليات الأحوال الشخصية للاجئ التي تطرح الاتفاقيات المؤطرة لوضعيته والتي تنهل من المرجعية الغربية أساس فلسفتها، فيما تم التأكيد على أن التعددية الثقافية والمرجعيات الدينية تشكل مبدإ سلطان الإرادة الحل الأفضل لتجاوز الإشكالات التي تثيرها الأحوال الشخصية للاجئ. أما الجلسة العلمية الثانية فتمحورت حول التغيرات السياسية والاقتصادية والسياسية في إفريقيا، وانعكاساتها على الهجرة عبر المتوسط، حيث خلصت المداخلات إلى ضرورة الموازنة بين احترام حق المهاجر والمقاربة الأمنية التي تنهجها الدول المعنية من خلال احترام المعايير الدولية لحقوق الإنسان من جهة، ومن جهة ثانية تمتيعه بكل مؤشرات الأمن الإنساني، بما فيه أمنه اللغوي، والانفتاح على التعاون الدولي والإقليمي من خلال استحضار أولوية المشاركة والإشراك لمواجهة ظاهرة كونية.
كما ناقشت الجلسة العلمية الثالثة مقومات الأمن الإنساني والهجرة بإفريقيا عبر استحضار الإشكالات البنيوية التي يثيرها غياب مقومات الأمن الإنساني بالقارة السمراء، مما يفتح المجال لهجرة القاصرين والأطفال في ظل ضعف الحماية القانونية لهم، وللمعاملة التمييزية التي يتعرضون لها في الحدود ومراكز الإيواء، أو هجرة الكفاءات التي أصبحت محددا للصراع الاستراتيجي بين القوى الاقتصادية الكبرى أمام ضعف مؤشرات العودة وصعوبتها، في ظل ظروف دول العالم الثالث خصوصا بإفريقيا حيث انتشار الفساد السياسي والفشل في بناء الدولة بها، بالإضافة إلى التدخل الخارجي، مما عمق الأزمات، وأدَى إلى تغييب كل مقومات الأمن الإنساني، التي لا يمكن تحقيقها دون استقرار سياسي ونظم اقتصادية وتربوية ناجعة، تساهم في تحقيق الاندماج الاقتصادي.
أما الجلسة الرابعة فقد قاربت جدلية المقاربتين الأمنية والإنسانية لمواجهة الهجرة عبر المتوسط، حيث أكدت جل المداخلات على أهمية التنصيص القانوني الدولي على أولوية الاعتبارات الإنسانية من خلال براديغم الأمن الإنساني بخصوص قضايا الهجرة غير الشرعية، وتجاوز النظرة النمطية للمهاجر من طرف بعض الأوساط الغربية سواء الشعبية أو الإعلامية التي تتماهى في بعض الأحيان مع الخطاب المؤسساتي. لتختتم الندوة بجلسة علمية خامسة، ركزت على السياسة المغربية للهجرة واللجوء ورهاناتها، التي اعتمدت البعد الإنساني في فلسفتها، والتعدد في أبعادها، والانسجام في رؤيتها، من خلال المواكبة والتفاعل الإيجابي مع قضايا المهاجرين بالمغرب، كما هو الأمر بالنسبة للسياسة الوطنية في مجال الصحة، مع الإشارة إلى عدد من الإشكالات المطروحة في هذا الشأن.
هذت وقد عرفت الندوة حضور عدد من الأساتذة الباحثين، والمهتمين وطلبة الكلية، إضافة إلى عدد من الطلبة الباحثين في سلك الدكتوراه الذين قدموا من مختلف الجامعات المغربية لمتابعة هذا الحدث العلمي الهام، والمساهمة في النقاشات العلمية المفتوحة التي واكبته، وقد خلصت الأشغال إلى مجموعة من الخلاصات من ضمنها، التأكيد على أهمية استحضار الجوانب الإنسانية في أبعادها الاقتصادية والثقافية والاجتماعية والسياسية والصحية في التعامل مع موضوع الهجرة، وعلى تجاوز الصور النمطية للهجرة باستحضار إسهاماتها في التنمية وتعزيز العلاقات الإنسانية، والدعوة إلى إرساء تعاون دولي مبني على احترام التشريعات والمواثيق الدولية ذات الصلة والعمل على تطويرها لتواكب التحولات الدولية، بالإضافة إلى العمل على إرساء تعاون إقليمي يضمن تنظيم التدفقات البشرية والاستفادة من فرص الهجرة، والتنبيه من كلفة هجرة الكفاءات نحو الخارج والتأكيد على أهمية الانفتاح على كفاءاتها، والتعامل مع الموضوع بشكل شمولي، مع تثمين الجهود التي راكمها المغرب باعتباره بلدا معنيا بالظاهرة، كما تم التوقف عند مشكلة الهجرة العكسية في فلسطين وما تطرحه من إشكالات متصلة بالظروف الطاردة.