تنظم جامعة الحسن الأول بسطات، كلية العلوم القانونية والسياسية، والمركز المغربي للديمقراطية والأمن، وLRTDC، مائدة مستديرة حول “آثار تغيرات النظام الدولي على الأمن القومي للمغرب” يوم الأربعاء27 أبريل 2022 بكلية العلوم القانونية بسطات، بمشاركة الأساتذة، يونسي حفيظ وإحسان الحفيظ وسعيد سيتر والصحفيان عبد الإله سخير وعبد الله التيجاني.
نعرض هنا الورقة التقديمية للقاء:
يختلف المتتبعون للحرب الروسية الأوكرانية من رجال علم وصحافة وسياسة ومؤثري وسائل التواصل الاجتماعي على توصيف الغزو باختلاف زوايا النظر والتركيز . فمنهم من يعتبرها جريمة ضد الإنسانية بل اهانة للإنسانية بسبب خرق مقتضيات القانون الدولي ومبادئ العلاقات الدولية المكرسين لمبدأ سيادة الدول الغير قابل للمساس. ومنهم من يعتقد بأن أوكرانيا هي ضحية صراع من أجل السيطرة على العالم كما يسميه نيتشه ,صراع كبير بين الولايات المتحدة الأمريكية كقطب أوحد مهيمن على العالم وروسيا بوصفها دولة عظمى ذات مجال حيوي غير قابلة بتحالفات عسكرية على حدودها ورافضة لهذه الأحادية القطبية الأمريكية للعالم مند نهاية الحرب الباردة .
لكن المؤكد الثابت هو أن الحرب الروسية على أوكرانيا تشكل منعطفا خطيرا على الأمن والسلم الدوليين في دلالاتهما الواسعة وذلك عبر مرحلتين اثنتين : *مرحلة ما قبل المنعطف ومرحلة ما بعد المنعطف بمعنى نهاية مرحلة وبداية مرحلة جديدة. وفي هذا السياق , لم تعد الشعارات السابقة والقائلة بإمكانية ضمان الأمن والاستقرار بالتعاون الإدماجي مع روسيا ذات جدوى كما لم تعد مبادئ التعايش واحترام السيادة والحدود وحرية التحالف ذات معنى رغم التنصيص عليها في عدة اتفاقيات ومعاهدات جمعت روسيا بدول أوروبا أو بالحلف الأطلسي كوثيقة هلسنكي الختامية وميثاق باريس والوثيقة التأسيسية بين الحلف الأطلسي وروسيا وهو الوضع الذي فرض على الغرب إعادة النظر في سياساته ودفاعه واقتصاده والتفكير في إستراتيجية أمنية في إطار منظومة صراعية اصطدامية مع روسيا خصوصا وأن هذه الأخيرة أعطت إشارات انذارية للغرب لم تؤخذ بالجدية المطلوبة ( 2008 التدخل في جورجيا ),(2014 ضم شبه جزيرة القرم)، ( 2015 التدخل في سوريا ) وأكدت مرارا أنها ستلجأ إلى استعمال القوة لحماية مصالحها أمام توسع الحلف الأطلسي بعد نهاية الحرب الباردة ب 15 دولة كانت منضوية تحت لواء حلف وارسو.
وحتى إذا ما انتهت الحرب الروسية على أوكرانيا، فان بوادر تشكل نظام عالمي جديد بميزان قوة جديد وبخريطة جديدة أضحى يلوح في الأفق وكل المؤشرات تشير جيوسياسيا إلى تكوين تحالفات دولية وإقليمية جديدة واقتصاديا إلى نشوء سوق اقتصادية عالمية موازية بأنظمة مصرفية جديدة .
لقد أفرزت ديناميات نهاية الحرب الباردة بين المعسكرين الشرقي والغربي وانهيار حلف وارسو واستقواء الحلف الأطلسي وما استتبع ذلك من تهديد للأمن القومي لروسيا وحرب هذه الأخيرة على أوكرانيا واقعا جديدا خلق بالقوة، وهو ما سيكون له عدة تداعيات خطيرة ليس فقط على طرفي النزاع المسلح , بل كذلك على مكانة الغرب وكل دول العالم نظرا لتشابك وتداخل العلاقات الاقتصادية بسلاسل التصنيع والإمداد والتي ستعرف جراء العقوبات المفروضة على روسيا أو جراء ردود فعل روسيا كذلك عدة تعثرات واختلالات مكلفة على أكثر من مستوى.
هكذا يبدو جليا أن العالم اليوم لن يكون كما كان مما يجعل كل دولة معنية بالحرب الروسية على أوكرانيا . وفي ظل هذا الارتجاج الذي سيطال منظومة العلاقات الجيواستراتيجية يثار السؤال حول مدى تأثير تشكل نظام عالمي جديد جراء الحرب الروسية على أوكرانيا على مسألة الأمن القومي بالمغرب . وفي هذا الصدد , وجب التذكير بأن مفهوم الأمن القومي لا يعني فقط اعتماد سياسات عسكرية دفاعية لمواجهة تهديدات عسكرية، بل تعداه ليشمل الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية والسياسية الكفيلة بتطويق المخاطر والتصدي للتهديدات الموجهة “للقيم المكتسبة” على حد رأي Arnold Wolfers .
إن مفهوم الأمن القومي بكل مكوناته الجيوسياسية والديمغرافية والاقتصادية والسياسية والعسكرية يعني بصيغة أخرى القدرة على الدفاع على موروث دولة ومجتمع معينين بحاضرهما ومنظومة قيمهما وبالتالي تحصين الحدود والوحدة الترابية أمام التهديدات الخارجية والداخلية . وباعتبار الأمن القومي نتيجة حتمية لتفاعل العوامل الداخلية والإقليمية والدولية، فان تداعيات الحرب الروسية على أوكرانيا ما انفكت تؤثر ارتباطا بالمستوى الخارجي الإقليمي على العلاقات بين دول المحيط المغاربي مما يفرض إعادة النظر في منهجية تفكيكها وتحليلها حيث يظهر أن الأزمة حتى الآن لم تدفع إلى خلق تغييرات جوهرية في الاصطفافات. بل إن جل البلدان المغاربية عموما والمغرب والجزائر تحديدا اتخذا الحيطة والحذر في علاقتهما مع الخصمين الحقيقيين لهذه الحرب وفي ذات الوقت ومافتئا يستعرضان قوتهما في إطار المناورات العسكرية الحدودية مع حليفيهما . وارتباطا بما ذكر , وجب التأكيد على أن المغرب يتجه , في إطار سياسته الأمنية الاستباقية، إلى تقوية منظومته العسكرية الدفاعية وتعميق التعاون التقني العسكري والاستخباراتي مع الولايات المتحدة الأمريكية باعتبارها حليفا استراتيجيا للمغرب دونما الزيغ عن الحياد الايجابي مع الشريك الروسي المتواجد في حالة حرب على أوكرانيا ؛علاوة على عوامل تهديد الأمن القومي على المستوى الخارجي، هناك تهديدات وتداعيات داخلية تنجم عن مدى تأثير الحرب وبروز نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب خصوصا ارتباطا بالبعد الاقتصادي بأمنه الغذائي والطاقي باعتبارهما مكونيين أساسيين من مكونات الأمن القومي . وعلى هذا المستوى , عرفت أسعار الغاز والبترول و والمعادن والقمح ارتفاعا مهولا كما أن تقويض اقتصاد روسيا بحزمة من العقوبات الموجعة ينذر بالأسوأ حيث يحتمل اللجوء إلى سيناريو فك ارتباط أوربا بالغاز الروسي أو حتى اعتماد سيناريو إغلاق روسيا لأنابيب غازها الموجهة إلى أوروبا وهو ما سينعكس سلبا على السياسات المالية والبورصات العالمية وعلى القوة الشرائية للمواطنين في ظل اقتصاد لازال يقاوم تداعيات الجائحة .
تأسيسا على ما ذكر , وفي إطار سعينا الهادف إلى تشفير رموز تداعيات تشكل نظام عالمي جديد جراء الحرب الروسية الأوكرانية على الأمن القومي بالمغرب , تعترضنا التساؤلات التالية :
– كيف يمكن للمغرب أن يتموضع بشكل متوازن بين القوى النافذة والفاعلة في الحرب الروسية على أوكرانيا دون التأثير على علاقات الصداقة مع موسكو ودون إحراج أو خذلان الشريك الاستراتيجي الأمريكي ؟
– هل تفرض الظرفية الحالية تعديل الخطط والتحالفات والتأقلم مغ التغييرات الجديدة أم الحفاظ المستدام على الأمن القومي ببعديه الداخلي والخارجي الذي أبان عن نجاعته في محاربة الإرهاب وفي تدبير العلاقات مع دول الجوار ( الجزائر , موريتانيا واسبانيا) ودول الشراكة ( ألمانيا , فرنسا ,الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل ) والاستمرار في لعب دوره الإقليمي في ليبيا والساحل وإفريقيا والبحر الأبيض المتوسط ؟
– إلى أي مدى تساهم علاقات اقتصادية متكافئة ومتنوعة وغير مكرسة للتبعية المولدة للابتزاز بين الدول في توطيد السيادة والأمن القومي بالمغرب ؟
– كيف يمكن للمنظومة الوطنية المتعلقة بالمخزون الاستراتيجي للمواد الأساسية المساهمة في تعزيز الأمن القومي بالمغرب ؟
– هل الإستراتيجية الأمنية المغربية متضمنة لعناصر الإجابات على الإشكالات والتداعيات الناجمة عن الحرب بشأن تحصين الأمن القومي بكل مكوناته وأبعاده؟
– هل يتضمن تقرير النموذج التنموي الجديد مقترحات وحلول كفيلة بالانتقال من مواجهة المخاطر إلى تقوية القدرة على صمود الأمن القومي بالمغرب وقابلة للتبلور في سياسات عمومية أمنية عسكرية واقتصادية واجتماعية وبيئية ؟ .