تحدتث صحيفة “لوموند” الفرنسية، في مقال جديد لها نشرته أمسن عن حفاظ المغرب على علاقات جيدة مع المجالس العسكرية الحاكمة في باماكو وواغادوغو ونيامي، عكس الجمهورية الفرنسية. مؤكدة على أن نجاح الرباط في إطلاق سراح أربعة فرنسيين من المديرية العامة للأمن الخارجي، كانوا محتجزين في بوركينا فاسو منذ الأول من شهر ديسمبر عام 2023، انتصار ديبلوماسي.
وأكدت صحيفة “لوموند” أن هذه الخطوة تعد نجاحا دبلوماسيا يُعزز الثقل الممنوح للمغرب كوسيط بين الغرب والمجالس العسكرية التي تولت السلطة في مالي وبوركينا فاسو والنيجر. فمن خلال القيام بدور الوسيط، تقدم الرباط خدمة مهمة لباريس، التي استؤنف التعاون معها على أعلى مستوى بعد أزمة دبلوماسية حادة استمرّت أكثر من عامين.
وأشارت ذات الصحيفة، إلى أن فرنسا تدرك أنها وصلت إلى طريق مسدود في التفاوض على إطلاق سراح مواطنيها، في ظل التوتر الشديد في علاقاتها مع واغادوغو، حيث جعل إبراهيم تراوري القطيعة مع القوة الاستعمارية السابقة هي عقيدة سياسته الخارجية منذ وصوله إلى السلطة، ورفض تعيين سفير جديد، وأمر في بداية عام 2023، الجنودَ الفرنسيين بمغادرة البلاد.
وقد اعتمدت فرنسا على تدخل دول ثالثة لفتح المناقشات. وقد سمحت وساطة الإمارات العربية المتحدة وتوغو بوضع الفرنسيين الأربعة قيد الإقامة الجبرية، لكن الجهود التي بذلها المغرب هي التي أتت بثمارها في نهاية المطاف، تقول “لوموند”.
وأضافت أنه وبمجرد انتشار خبر إطلاق سراح الفرنسيين الأربعة، سارعت الصحف المغربية إلى إدراج قائمة الأوروبيين الرهائن في المنطقة، الذين استفادوا من “المساعي الحميدة” للرباط. ففي غشت عام 2023، رحبت بوخارست بـ”الدور الأساسي” الذي لعبته المديرية العامة للدراسات والتوثيق (أجهزة المخابرات الخارجية المغربية) في إطلاق سراح ضابط الأمن الروماني يوليان غيرغوت الذي اختطف في بوركينا فاسو عام 2015 على يد مجموعة متحالفة مع تنظيم القاعدة، وكان آنذاك أقدم معتقل غربي في منطقة الساحل. قبل ذلك بثمانية أشهر، ساهمت الاستخبارات المغربية أيضا في إعادة المهندس المدني، يورغ لانغ، إلى ألمانيا، والذي اختطفه إسلاميون في النيجر عام 2018 ثم احتُجز في مالي لمدة أربع سنوات.
وفي حالة الفرنسيين المحتجزين في واغادوغو، دارت مناقشات هذه المرة بين أجهزة الدولة. وأبرزت الدبلوماسية المغربية، التي لم تتحدث قط عن المساعدة المقدمة لإطلاق سراح الرهائن في أيدي الجهاديين، “تميز العلاقات” بين محمد السادس والرئيس تراوري. وهذا يدل على فهم المغرب، على عكس فرنسا، لـ“السياق السيادي الجديد” في منطقة الساحل، بحسب الصحافي النيجري صديق أبا، مؤلف العديد من الأعمال حول المنطقة.
ووفق موقع Africa Intelligence، تجري الاستخبارات الخارجية المغربية محادثات مع المجلس العسكري في النيجر بهدف إطلاق سراح الرئيس محمد بازوم، المحتجز في نيامي منذ الإطاحة به في يوليو عام 2023. وأكدت حاشية الرئيس السابق للنيجر لـ“لوموند” أن موضوع إطلاق سراحه تمت مناقشته خلال زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون للرباط من 28 إلى 30 أكتوبر الماضي، مضيفة أن النظام الانتقالي لن يقبل ذلك إلا في حالة استقال بازوم رسميا وذهب إلى المنفى. وهما شرطان أساسيان رفضهما الأخير منذ أكثر من عام، دون أن يطرح فرضية المغادرة إلى المغرب، وهو الحل الأمثل للانقلابيين، لأنه بعيد جغرافياً عن النيجر.
وأبرزت “لوموند” ، في ذات السياق، إن المجلس العسكري في النيجر، يثق بالمملكة المغربية، ويعتبرها تتسم بالحياد النسبي. فهي ليست عضوا في المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (ECOWAS)، التي فرضت عقوبات شديدة على تحالف دول الساحل الجديد (AES)، الذي شكلته النيجر وبوركينا فاسو ومالي، مما دفع الدول الثلاث إلى الانفصال عن المجموعة.
ومن دون إدانة أي من الانقلابات، ظل المغرب محاورا للقوى الجديدة، حيث رحب بممثليهم وواصل مشاطرتهم خبراته في مجال الدفاع والأمن، وخاصة في الحرب ضد الإرهاب والأصولية. بل إنه أتاح لهم، في مبادرة ما تزال في مرحلة التخطيط، الوصول التجاري إلى ساحله الأطلسي.
أما الحضور الاقتصادي، فتؤكد لوموند على أن الرباط لا تفرض أي شروط سياسية، حتى في مالي، التي تعترف مع ذلك بالجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية التي أعلنها انفصاليو جبهة البوليساريو. وفي منطقة الساحل، يغطي هذا الوجود المغربي كلاً من شركات الاتصالات والبنوك، التي اشترى العديد منها الأوراق المالية الصادرة عن الحكومات لتمويل نفسها. كما سيجري المغرب محادثات مع الصناديق السيادية الخليجية بهدف الالتزامات المالية هناك. وهو ما جعل وزيرا ماليا سابقا يقول إن “المغاربة يمكن أن يطالبوا باستقبالهم واعتبارهم جديرين باستثماراتهم”.
وذكرت الصحيفة الفرنسية، أن مساجد “محمد السادس” التي ازدهرت في غرب أفريقيا، تعتبر رموزا للنفوذ الديني لأمير المؤمنين على مستوى جنوب الصحراء، لم تمتد بعد إلى منطقة الساحل. لكن اسم الملك مكتوب بشكل كبير منذ عامين، عند مدخل عيادة كبيرة في باماكو، والتي تم تمويلها من ميزانية مؤسسة ملكية مغربية.
وزادت لوموند أنه قد تم تدشين محطة للطاقة الحرارية في نيامي مُقدمة من المغرب في 12 ديسمبر، حيث عُرض على الساحة ملصق بحجم كبير يُظهر الصورة الرسمية للعاهل المغربي في ذلك اليوم إلى جانب صورة الجنرال عبد الرحمن تياني وهو يرتدي قبعة بنية. وخلال العطلة الوطنية للنيجر في 3 غشت، أكد له محمد السادس “استعداد المغرب الدائم” للعمل ”لصالح تعزيز التعاون الثنائي”.