![](https://www.kechpresse.com/wp-content/uploads/2022/05/العاصمي.jpg)
الأمر غريب ربما، هو منطق المغلوب الذي يرضى بأقل القليل حقنا لنفسه ودمائه ووقته .
نكبت فلسطين في 1948 بهجوم الإسرائيليين معززين بالجيش البريطاني لإخراجهم من دورهم وأملاكهم ومطاردتهم خارج بلادهم وتهجيرهم وتشريدهم واحتلال بلادهم لإقامة دولة مكونة من لقطاء جمعوا من أقطاب الأرض على مدار عقود من الزمن لتعمير الأرض المحتلة وإغراق ما بقي من ساكنتها بما تكتسحه إسرائيل أو تسلخه من مختلف الدول لتوطينهم فيما اغتصبته من أراضي الفلسطينين.
واكتملت الجريمة تقريبا بهزيمة العرب مجتمعين بسبب خيانة فيما سمي بحرب 1967 أو حرب الستة أيام وهي في الواقع حرب 6 ساعات أو أقل، إذ إن أركان الخيانة كانت مكتملة لم تترك مجالا لحرب أو شبهها فقد وقعت الهزيمة قبل خوض الحرب.
الذي حدث أن العرب ومعهم أو بعدهم أو قبلهم الفلسطينيون :
قبلوا جميعا في وقت ما بما سمي الأرض مقابل السلام ويعنون به التسليم لإسرائيل بامتلاك ما حصلته بهزيمة العرب من أراضي منها ما هو تابع لفلسطين وسوريا ومصر والأردن.
ثم قبلوا بحل الدولتين، وأن تعيش إسرائيل جنبا إلى جنب مع فلسطين كدولتين متجاورتين في سلام لم يحدث أبدا.
ثم طرح موضوع القدس على أن تبقى عاصمة فلسطين.
ثم قبلوا بتقسيم القدس وتسليم القدس الغربية إلى إسرائيل والاكتفاء بالقدس الشرقية.
لا شيء من كل تلك التنازلات أرضى إسرائيل التي ظلت تناور بمطلب التطبيع والبحث عن السلام والتغطية على أطماعها الحقيقية التي كانت تبرز واضحة تصريحا أو تلميحا كما تبرز متبثة في مرجعيات الحركة الصهيونية وخطابات كثير من قياداتها وتنظيماتها ونظرياتها وبرامجها.
بعد 17 سنة من حصار غزة وكحش آلاف السكان المجازر والمقاصل والإعدامات والتعذيب
وبعد تداعي الدول العربية للتطبيع مع أحبابهم وأهلهم ومواطنيهم اليهود والصهاينة وجدهم في إيجاد الروابط التاريخية والعرقية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية وحتى الدينية مع الدين اليهودي ومع إسرائيل ودولتها وحضارتها وثقافتها وعلومها.
وبعد التسابق للتكفير عن سنوات البعد والفراق مع هؤلاء الإخوة والأهل والأحباب والمسارعة لتعويض كل ما فات.
وبعد التطبيع مع الصهيونية وهي النظرية والإيديولوجية المتطرفة، وبعد اعتناقها رسميا في المنابر العليا العالمية في شخص السيد بايدن رئيس أكبر وأعتى دولة في العالم بإعلانه التاريخي في خطاب رسمي بكونه صهيونيا.
بعد كل ذلك وجد الفلسطينيون أنفسهم أمام ما سموه:
(جهادْ/ نصرٌ أو استشهادْ)
فلم يعد أمامهم من خيار مع ما يعيشونه ويعانونه ويذوقونه من عسف وإذلال وحرمان وحصار وما يرونه عيانا من قرب تفويت حقوقهم المشروعة وبيعهم جملة وتفصيلا رقيقا أو مهجرين مشردين لا مكان لهم ولا شأن في العالم.
ارتأوا أولا تحرير أبائهم وأمهاتهم وزوجاتهم وأطفالهم الذين يذوقون الويلات في معتقلات العار الصهيونية عن طريق الإمساك بإسرائيليين كرهائن ليبادلوهم بذويهم هؤلاء.
ولأن إسرائيل بلغت من الاطمئنان حدا يكفيها لكي ترفع السقف عاليا، فلم تر ضرورة لمفاوضة أو مبادلة أو غيرها بل قررت المرور مباشرة لتنفيذ مشروعها الحقيقي الذي لم تعد تحتاج لإخفائه والتمويه عليه أو المناورة. والمبادرة إلى إنهاء وجود هذا الشعب بإبادته جماعيا ونهائيا واستغلال المناسبة السانحة لتصفيته ومحوه. شرعت مباشرة في قصف المدن والقرى جوا وبرا وبحرا وهدم البنيان والمنشآت والمرافق الدينية والصحية والعلمية والثقافية وتجريف الطرق ومصادر المياه والكهرباء والصرف الصحي ومحاصرة الأحياء التي تدمرها لمنع نجاة أحياء أو معالجة مصابين مرورا لصب النار على مجموعات النازحين المشردين ليلا وحرقهم نياما ورش مواد قاتلة وتسميم المياه وقصف المرضى في المستشفيات والأطباء والأطر الطبية والمسعفين أو اعتقالهم ومنع الدواء والغذاء والماء وتجويع وتعطيش عموم السكان وتحويلا البشر إلى فحم أو أشلاء في الشوارع أو تحت الأنقاض وما لم يقل أو يتصور للكثرته وبشاعته وشناعته.
كل ذلك لم يفت في عضد شعب عانى عقودا من العسف والمهانة فقرر ركوب التضحيات كي يحيا حقيقة أو يموت. فلا حياة لمن يعاني العذاب والمهانة كل لحظة.
كانت شعوب العالم جميعها تقدم الدعم والمساندة لإسرائيل معنويا بالتصريحات والإعلام وتحريف الحقائق ، وماديا بأنواع الأسلحة الفتاكة، وبإمدادات الجنود والمواد المختلفة العسكرية والمدنية والدواء والغذاء لا نستثني الدول العربية والإسلامية التي تحاصر شعب فلسطين الجائع العطشان الموجع المشرد
عندما وجدت إسرائيل نفسها أمام شعب مقاوم لا يمكن إفناؤه وإبادته عادت لفكرة تهجيره خارج أرضه ومطاردته بجميع الأساليب من مكان إلى مكان وإيهامه بمكان آمن كي يتجمع فتهجم عليه وتحرق وتقصف وتبيد وتدمر لكنه يقاوم ويصمد ويقدم الشهداء تلو الشهداء ولا يهاجر ولا يهرب بينما يهاجر لقطاء إسرائيل ويهربون أفواجا.
خطأ بعض الفلسطينيين وخطأ بعض العرب القبول وبعض المتعاطفين في العالم هو القول بحل الدولتين.
كيف؟
كيف يتعايش مغتصب بسلام إلى جانب مغتصبه الذي يتحرش به وينقض عليه في كل لحظة وهي تجربة دامت ثلثي قرن كامل.
أما نحن في المغرب فنقول : (زوج حناش فالغار ما تيتلاقاو) لا يمكن اجتماع ثعبانين في غار واحد أبدا. وقال تعالى: (ولو فيهما آلهة إلا الله لفسدتا).
أما الحل الذي قضت به محكمة العدل الدولية فهو إنهاء الاحتلال. وبالنسبة إلينا ليس إنهاء احتلال غزة بل إنهاء الاحتلال وإنهاء الاحتلال مبدأ عام في مختلف القوانين والأنظمة الدولية، سيما أن الاحتلال وهو يدعن لإطلاق النار في غزة يقصف الضفة التي يقوم نوابه بقصفها وإخضاعها وتطويعها وتأديبها لفائدتهم.
الاحتلال
لم نقرر بما يكفي ولم نطالب بما يكفي بإنهاء الاحتلال، بذلك قام السيد ترامب بالمطالبة بتهجير السكان والسيطرة على الأرض.
هل السيد ترامب يخبط خبط عشواء؟ أم يناور؟ أم يغوي الطامعين الجشعين في إسرائيل؟ أم يطلق مفرقعات اختبار؟ أم هو مجنون الحكم؟
هل وقف إطلاق النار وإعادة الإعمار؟ أم تهجير الفلسطينيين؟
أما الرد على مثل هذا الهراء فبسيط واضح للغاية:
الذي يجب أن يترك الأرض
والذي يجب أن يهجر
هم المحتلون الوافدون منذ 1948
وهو الاحتلال ومنطق الاحتلال والإحلال
والذي يجب أن يضع يده على أرضه كاملة كما كانت قبل أن يدخلها الاستعمار بقوة السلاح والعنف والقتل والإجرام هم الفلسطينيون أصحاب الأرض. ولا تنازل عن مغادرة إسرائيل ومن تبعها للمنطقة إلى غير رجعة.
جواب ترامب يجب أن يكون جواب الحقيقة الواضحة: إنهاء خرافة إسرائيل أو نقلها نهائيا خارج المنطقة العربية الإسلامية وليس نقل أهل غزة أو غيرهم.
يجب الانتقال إلى الحلول الحقيقية التي ليست سوى إنهاء أسطورة إسرائيل وتحرير كامل الأرض الفلسطينية من سرطان مزروع اسمه الصهيونية واسمه إسرائيل.
لقد تعايشت الأعراق والديانات في الأرض المقدسة في سلام لولا المشروع الصهيوني كداء خبيث حل بالمنطقة مع الاحتلال، وعندما يستأصل بمشرط جراحين أصلاء ستطيب المنطقة وتتنمى، وهذا ما لا تريده قوى باغية.
لكن المرور لمطلب التحرير لكامل الأرض المحتلة لا مناص منه ولا محيد عنه، كجواب وحيد للسيد ترامب لا يقبل المجادلة.
مراكش 11 يبراير 2025