(الجماعات الترابية نموذجا)
في سياقات وطنية و دولية متعددة ، و تزداد سعادتي و سعادتكم و سعادة كل أفراد الشعب المغربي بما بلغه الفريق الوطني لكرة القدم بقيادة وليد الركراكي ، الذي جعلنا نحلم ، و تمكن من تحويل الحلم إلى واقع صار بذكره الافراد و الجماعات و المنظمات و الدول فشكراً وليد ، و شكرًا كل أعضاء الفريق الوطني ، و شكرًا لكل أبناء و بنات الوطن، و قبل ذلك و بعده شكراً جزيلًا جلالة الملك محمد السادس ، فقد عشنا جميعًا لحظات أشبه ما تكون من الخيال ، إنه حلم يتحقق ، و هذا هو مغرب القرن 21 ليس معه المستحيل فكل شيء ممكن بسواعد بنات و أبناء الوطن الذي يراكم نجاحاته بهدوء في كل المجالات السياسية و الاقتصادية و الثقافية و البيئية و التنموية و في مقدمة ذلك قضية الصحراء المغربية ، فيزداد تقديراً و احترامًا لدى المجتمع الدولي بسبب جديته و التزامه و حياديته الإيجابية و وفائه بالتزاماته وتعاطيه العقلاني مع القضايا المرتبطة بالواقع الجيوسياسي المتجدد و المعقد .
فالأسلوب الذي دبر به وليد الركراكي المشاركة في مباريات قطر فيه من الجدة و الابتكار و الابداع ما يوجب النظر فيه وفي العلاقات التي يجب ان تكون بين الرئيس و فريقه و الحياة الجماعية و دينامية الجماعة و العلاقات الانسانية بين افرادها بكريزمة واضحة تقوم على الاحترام و التقدير المتبادلين و المؤسسة على الحقوق و الواجبات في كل شيء ، وتزداد سعادتي و نحن ننظم هذا اليوم و جامعة محمد الخامس تحتفي بذكراها الخامسة و الستين لتأسيسها ، جامعة ساهمت في المغربة و المواطنة و صناعة الاطر و النخب في كل المجالات و أساتذتها مشهود لهم بالمعرفة و العلم والأخلاق و التواضع و ذيوع صيتهم في كل المجالات و الدول ، جامعة تعد بحق أم الجامعات المغربية بدءًا بكلية الاداب و العلوم الانسانية و كلية العلوم و كلية العلوم القانونية و الاقتصادية و الاجتماعية اكدال مرورا بالمدية المحمدية للمهندسين ، انها ملحمة أخرى في تاريخ الجامعة المغربية ، نتمنى ان تعود جامعة محمد الخامس الى موقعها الريادي الذي احتلته لسنوات و كادت تفقده خلال السنوات الأخيرة ، فهنيًا للسيد رئيس جامعة محمد الخامس بالنيابة و هنيئا لكل الطاقم التربوي و العلمي و الاداري و التقني و لكل طلاب الجامعة بحلول هاته الذكرى و الاحتفال بها .
لقد جعلت أغلب التشريعات لحق الملكية قدسيةً خاصةً لا يسمح بانتهاك حرمته انطلاقا من مقتضى المادة 17 من الإعلان العالمي لحقوق الانسان ، ولا حرمان صاحبه منه ، إلا في حالات منفعة عامة بعد تأكيد شروط ثبوتها بأدلة قانونية مع ضمان التعويض عن نزعها ،و هو نفس الحرص الذي ضمنته كل دساتير المملكة المغربية منذ 1962 تنفيذا لمقتضيات الفصل 15 الذي ينص على “حق الملكية مضمون ” و للقانون أن يحد من مداه واستعماله إذا دعت إلى ذلك ضرورة النمو الاقتصادي والاجتماعي المخطط للبلاد و لا يمكن نزع الملكية إلا في الأحوال وحسب الإجراءات المنصوص عليها في القانون وقد بقيت هاته الضوابط في كل الدساتير المتعاقبة ، و من ثم كان من الطبيعي أن ينعكس هذا الحرص الدستوري على مختلف النصوص التشريعية والتنظيمية ، من زاوية ملاءمتها معه. فلا يُمكن التساهل في الحد من هذا الحق إلا بالقدر الذي يحقق أهدافا محددة ، تتوخى الصالح العام بشكل أكبر مما يُمكن أن يحققه الخواص لأنفسهم ولغيرهم علما ان القانون المؤطر لنزع الملكية بالمغرب يتطور باستمرار حسب مقتضيات و مستلزمات تطبيقه ، وهو ما برز جليا مع الظهير الشريف الصادر في 26 من جمادى الآخرة 1370 (3 أبريل 1951) المتعلق بنزع الملكية للمنفعة العامة ، الذي أبان تطبيقه عن صعوبات لم يتم تجاوزها إلا مع القانون رقم 7.81 المتعلق بنزع الملكية للمنفعة العامة والاحتلال المؤقت الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.81.254 الصادر في 11 من رجب 1402 (6 مايو 1962) الساري المفعول حاليا و ظل ذلك الحرص لغاية دستور 2011 ، الذي اعاد التأكيد على ما يلي ” يضمن القانون حق الملكية ” ويمكن الحد من نطاقها وممارستها بموجب القانون ، إذا اقتضت ذلك متطلبات التنمية الاقتصادية والاجتماعية للبلاد. ولا يمكن نزع الملكية إلا في الحالات ووفق الإجراءات التي ينص عليها القانون الفقرة الأولى والثانية من الفصل 35 .
ننظم هاته الندوة الوطنية و القطاعات الحكومية المعنية منكبة على مراجعة هذا القانون، بما يلائم تطور المجتمع المغربي و مقتضيات العصر بهدف المساهمة في اثارة النقاش الاكاديمي العلمي الواقعي وللتداول في موضوع الانعكاسات المتعددة لنزع الملكية ، سواء على مستوى الطرف الذي سيتم نزع ملكيته ، أو الجهة التي ستنزع الملكية ، أو المشروع المراد إنجازه ، أو الخروقات خلال المسطرة الإدارية ، أو الخلافات حول تقدير التعويض عن نزع الملكية ، أو طول المسطرة القضائية ، وصولًا لغاية صعوبة تنفيذ الأحكام القضائية في مواجهة الإدارة و غيرها من المظاهر الناتجة عن القيود القانونية و الإجراءات المسطرية و هي إشكالات تظل محط نقاش موسع متعدد الأبعاد، وخاصة حين تصل تظلمات المنزوع ملكيتهم ، والذين لم يتمكنوا من تسوية وضعية الملكية التي تم نزعها ، لا من خلال تعويض مناسب ، ولا من خلال استرجاعها في حالة عدم تنفيذ المشروع الذي على أساسه تم نزع ملكيتهم .
وهي محاولة منا جميعًا مجتمعًا مدنيًا و جماعات ترابية و أساتذة باحثين للوقوف على واقع يسائل في جوانب مهمة منه المسؤولين من داخل المؤسسات و القطاعات الحكومية المعنية بالتنفيذ الامثل للمقتضيات القانونية و الدستورية للحق في الملكية و الحق في نزعها مع احترام كل الضوابط و الشروط التي تسلتزم ذلك انطلاقا من ما لاحظناه من تنامي ظاهرة نزع الملكية وفق مساطر بطيئة تترتب عنها آثار وخيمة على مختلف الأطراف ا لمعنية عكس مما كان منتظرا من القانون الجديد و ما سجلناه من واقع مؤلم بمجموعة من مناطق المغرب و ما سمعناه من افواه سكان بعض الاقاليم من معاناة و حالات عدم الاستقرار النفسي و الاجتماعي و الاقتصادي و كذا عدم التواصل الجيد مع المعنيين من طرف بعض المسؤولين فكان لا بد من اثارة الانتباه من خلال النقاش العلمي الاكاديمي لمجموعة من النواقص في المقتضيات القانونية لنزع الملكية و مساطر تقدير التعويض عنه و ما يشكل عراقيل في طريق استثمار في مناطق نزعت ملكيتها و الاثار السوسيولوجية التي تنبني على قرارات ادارية تغيب عنها الجوانب الانسانية في النزع و التعويض و العدالة غير المتوفرة في مجموعة من حالات التنفيذ
ومن هذا المنطلق تكتسي محاولة اعادة قراءة مضامين النص القانوني ، والتطبيقات العملية ، والاجتهادات القضائية و الانعكاسات الاجتماعية اهمية بالغة في ظل رغبتنا الجماعية في التنمية بكل انواعها و مستوياتها .
لقد أسند قانون نزع الملكية ، “للدولة والجماعات المحلية وإلى الأشخاص المعنويين الآخرين الجارية عليهم أحكام القانون العام أو الخاص أو الأشخاص الطبيعيين الذين تفوض إليهم السلطة العامة حقوقها للقيام بأشغال أو عمليات معلن أنها ذات منفعة عامة ” (المادة 3) إن هذه الجهات المخول لها نزع الملكية ، ذات مكانة اعتبارية وميزانيات مختلفة ، مما يتطلب ايجاد حلول إشكالات نزع الملكية على مستوى كل طرف على حده .
وبهذا الخصوص ، تركز الندوة الوطنية ، على تجربة الجماعات الترابية بمختلف مستوياتها ، سواء منها الجهات ، أو العمالات والأقاليم ، أو الجماعات والمقاطعات ، و كذا على تجارب القطاعات و المؤسسات المعنية بالموضوع و ذلك من خلال المحاور التالية /
- إعلان نزع الملكية والحكم بنقل الملكية إلى نازعها؛
- معايير تحديد التعويض؛
- طرق الطعن على القرارات والأوامر والأحكام القضائية؛
- الآثار المترتبة عن نزع الملكية
تأتي هذه الندوة في إطار تعميق النقاش حول المقتضيات الشهيرة للمادة التاسعة من القانون المالي لسنة 2020 ، لتي هيمنت على النقاش العمومي والمؤسساتي انطلاقا من سنة 2018 ، ولم يسفر ذلك إلا عن حل تشريعي لا يزال محل آراء متضاربة .
إن مؤسسة فكر، وهي تفتح هذا النقاش الهادئ بغية إحداث توازن مقبول بين مصالح المواطنات والمواطنين المضمونة بنص الدستور، والمصلحة العامة التي تقتضيها ضرورة التنمية لبلادنا
لقد سبق لصاحب الجلالة الملك محمد السادس ، نصره الله وأيده ، أن أشار في خطابه السامي ، بمناسبة افتتاح البرلمان في دورة أكتوبر 2016 ، إلى أن ”المواطن يشتكي بكثرة من طول وتعقيد المساطر القضائية ، ومن تنفيذ الأحكام ، وخاصة في مواجهة الإدارة ، فمن غير المفهوم أن تسلب الإدارة للمواطن حقوقه ، وهي التي يجب أن تصونها وتدافع عنها وكيف لمسؤول أن يعرقل حصوله عليها وقد صدر بشأنها حكم قضائي نهائي .” (انتهى النطق الملكي)، ويتعلق الأمر بتوجيهات ملكية واضحة تروم حماية حقوق المواطنات والمواطنين ، ويبقى الامل علينا أن نجد أفضل الأساليب لتنفيذها .
لذا ، علينا أن نعترف في البداية أن المقتضيات التي تم اعتمادها تمس باستقلالية السلطة القضائية التي ينبغي الحفاظ لها هيبتها عن طريق إلزامية تنفيذ أحكامها التنفيذية النهائية ، خاصة في مجال نزع الملكية للمنفعة العامة موضوع هذه الندوة الوطنية
إن منع الحجز على أملاك الجماعات الترابية ، قد أفقد المتضررين من إمكانية إلزام الإدارة على تحمل مسؤولية الأضرار التي أحدثتها نتيجة نزعها للملكية الخاصة بهدف إيجاد توازن بين إلزامية تنفيذ لأحكام والمقررات القضائية الحائزة لقوة الشيء المقضي به من جهة ؛ وضرورة الحفاظ على حقوق المواطنات والمواطنين في مجال نوع الملكية للمنفعة العامة من جهة ثانية؛
وحق الجماعات الترابية في القيام بعمليات تنموية تتطلب وعاء عقاري يمتلكها الخواص من جهة ثالثة .
وإن المداخلات المتنوعة الناظمة في برنامج الندوة الوطنية ، كفيلة بأن تخرج برؤية واضحة ومتوازنة ، قادرة على الحفاظ على مكانة ومصالح كل الأطراف ، خاصة وأنه ليس هناك ضمانات ما ، إذا ما استمرت الجماعة الترابية المعنية في عدم الالتزام بالآجال المحددة في القانون وبهذا الخصوص ، فإن مؤسسة فكر توجه نداء لكل الجهات والأطراف المعنية ، قصد التفكير في إحداث صندوق وطني للتأمين عن مخاطر عدم الحصول على التعويض في الوقت المناسب.
*كلمة الأستاذ محمد الدرويش
رئيس مؤسسة فكر للتنمية و الثقافة و العلوم في افتتاح اشغال الندوة الوطنية حول موضوع : “نزع الملكية للمنفعة العامة” بين النص القانوني والواقع العملي والاجتهاد القضائي (الجماعات الترابية نموذجا)”
الرباط في الاربعاء 21 دجنبر 2022