تحية لهذا الرجل المتفرد في تخصصه وبنفس الوقت المتعدد عبر حقول معرفية مختلفة تتمحور حول الأفق الأنثربولوجي.
فضلا عن ذلك حميد التريكي من خلال مساره المهني كأستاذ كانت حصصه الدراسية بمثابة فتوحات تسهل الولوج أمام طلبته لاقتحام حقول البحث المعرفي، سواء في مادة التاريخ أو الجغرافيا الإنسانية التي تتيح التنقيب في تضاريس الفكر والعقول كما في الابداع.
إذ نحن إذاك طلبة في إعدادية ابن عباد بمراكش، كنا نستبق الحضور لحصصه التي كانت بمثابة ورشة أو دورة تدريبية وتأهيلية تلقن الطالب أدوات البحث المعرفي دونما التوقف أمام دوغماتية النصوص وأن مادة التاريخ تفقد جدواها إذا ما انحصرت في حدود النقل ومنصوص الروايات.
أهم ما تلقيناه من سدي حميد أن النص المرجعي ليس هدفا في حد ذاته، بقدر ما هو محطة إقلاع صوب ٱفاق الشغف المعرفي.
مادة التاريخ عند التريكي هي مسالك و مدارك. مسالك من حيث المنهجية و خارطة الطريق. أما من حيث هي مدارك كونها وثيقة الصلة بالتراث عموما وباستقراء أهم مراحل تطور الفكر الإنساني.
البروفيسور حميد التريكي هل هو بوجهة نظر ما و باجتهاد شخصي من كاتب هذه السطور ، هل يمثل تجسيدا لفلسفة التاريخ؟
تساؤل مشروع من حيث الشغف الدائم بتجاوز المقروء و المنقول و اضفاء القدسية، ومن ثم الانصياع لما يرويه الإخباريون وكافة ما تراكم عبر عهود من مصنفات وتٱليف المؤرخين.
مهمة المؤرخ من خلال تجربة الأستاذ حميد التريكي لم تكتف بكونه مجرد ناقل لما تحت يد الباحث من مقررات ومراجع أو هو جسر لتمرير ٱراء و شهادات ربما أملتها اعتبارات، إما ذاتية أو انتماء من قبيل محاباة السلطة في ظرفية معينة..
أو هي تكريس لرأي معين في قضية ما، أو حدث في حد ذاته، أو ما إذا تعلق الأمر بموقف معارض، أو ناقد تجاه قضية ما أو حدث معين.
حميد التريكي كما حرص على تعليمنا في الرابعة والخامسة إعدادي أن لا نبقى مكتوفي الأيدي، أو سجناء أمام الوثيقة أيا كان مصدرها. بل منهجية البحث تقتضي استقراء نصية الوثيقة من حيث موضوعها. والغرض أو الباعث الذي أملى صدورها أو الغاية التي تتوخى من وراء ذلك.
حميد التريكي من هذا المنظور يسائل التاريخ، يستقرؤه من حيث الاحتكام إلى العقل الناقد ومقتضيات ومفاهيمية الحداثة.
ختاما لا أطمح في هذه العجالة إلى تقديم ورقة نقد أو تقويم لحصيلة فكر و منجز معرفي و أنثربولوجي لرجل أنفق العمر في جهد موصول في خدمة العلم و المعرفة و الإنسان.