تروج الحكومة لخطاب اجتماعي، من خلال ادعائها أنها رصدت برامج وصناديق لدعم الفئات الهشة والضعيفة في إطار بناء ماسمته الدولة الإجتماعية.
لكن يبدو أن الخطاب السياسي للحكومة متهافت، ويرمي إلى بناء وهم لدى المغاربة بتخصيص أموال ومبالغ كبيرة لمساعدة الفئات الإجتماعية الفقيرة على تخطي الأزمة.
لكن ومقابل ذلك، تسعى إلى جمع تلك الأموال من تلك الفئات نفسها تحت شعار :منكم وإليكم.
وهكذا وعلى سبيل المثال فقط، فإن الحكومة وضمن مشروع قانون المالية فرضت على المحامين أداء الضريبة وفقا للنسبة الواردة في هذا المشروع على كل الطلبات والدعاوى التي يتقدمون بها الى القضاء. وهي الضريبة التي سيؤديها حتما المتقاضي والمرتفق من ماله الخاص ويدفعها لحساب المحامي الذي يتولى دفعها نيابة عنه.
وهناك حقيقة موضوعية لاتحتاج إلى جهد كبير للوصول إليها ، وهي أن أكبر شريحة تلج للقضاء هي الطبقات الإجتماعية الضعيفة والهشة (دعاوى نزاعات الشغل ، دعاوى مرتبطة بتطبيق مدونة الأسرة (الطلاق والتطليق،النفقة …الخ ) نزاعات مدنية ، قضايا جنائية،…). وهي نفس الطبقات التي توجه لها الحكومة ماتسميه بالبرامج والدعم الإجتماعي، وهي نفسها التي ستؤدي الضريبة للولوج إلى العدالة. فضلا عن أداء الرسوم القضائية وغيرها من المصاريف ، وبذلك تكون الحكومة قد استخلصت من “الدراويش” أموالا طائلة عن طريق الضرائب، قبل أن توزع عليهم الفتات ، ويقول المثل الدارج “من لحيتو لقم ليه”.
والمحامون عندما يحتجون ضد ماورد في مشروع قانون المالية، لا يفعلون ذلك لأنهم يتهربون من الضرائب، وإنما يفعلون ذلك دفاعا عن المجتمع، وخاصة تلك الشرائح الضعيفة والفقيرة في الولوج المستنير للعدالة ومساهمة منهم في السلم الإجتماعي، ومداواة التشوهات الإجتماعية الناتجة عن سوء توزيع الثروة وسياسة تفقير الفقير وإغناء الغني.
فهل تعلم الحكومة كم من قضية ينوب فيها المحامون مجانا دون تقاضي ولو درهم واحد؟وهل تعلم كم من قضية تفتح ولا يتوصل المحامي بكافة أتعابه المتفق عليها ؟وهل تعلم أن بعض القضايا تحكم بمبالغ هزيلة ولا تكفي لأداء أتعاب المحامي، ويضطر هذا الأخير للتنازل لموكله لإستخلاص المبلغ كاملا ؟.
إن الخطاب الإجتماعي الذي تروج له الحكومة هو خطاب مزيف وتضليلي ، وهو خطاب موجه للإستهلاك، ويهدف إلى طمأنة النفوس من تداعيات أزمة اقتصادية وإجتماعية غير مسبوقة، لاتكفي معها المناورات والهروب إلى الأمام والنفخ في الأرقام ..
إن السياسة الحقيقية، هي سياسة الحقيقة، كما قال الشهيد المهدي بن بركة.