استقبال روسيا بمستوى بروتوكولي متواضع لوفد من جبهة “البوليساريو”؛ لا يعني بأي حال من الاحوال، تحولا في موقفها من نزاع الصحراء، وتبنيها لموقف غير ودي معلن حيال المغرب. والواقع أن روسيا تنهج نفس السلوك الدبلوماسي الثابت الموروث عن العهد السوفياتي؛ بالوقوف على مسافات مدروسة بدقة، من نزاعات تكون طرفا فيها أو معنية بمآلها؛ باعتبارها قوة عظمى مؤثرة في مجرى العلاقات الدولية.
وعلى سبيل المثال، فإن موسكو، وهي صديقة دائمة للعرب، حرصت دائما على مد الجسور مع الحركات السياسية التي ناهضت دولا وأنظمة عربية صديقة لموسكو، في الماضي القريب ؛ ليس بنية الإساءة إليها أو السعي إلى أهداف مريبة؛ بل فعلت ما قامت به، مدفوعة بالرغبة في الحفاظ على مصالحها، من جهة ومساندة مطالب الحلفاء العرب التقليديين .
روسيا ، ربطت علاقات مع جميع فصائل المقاومة الفلسطينية، بما فيها تلك المعارضة لنهج منظمة التحرير، التي ظلت المحاور الرسمي للقادة الروس.
والتأييد المطلق للحق العربي لم يمنع موسكو، من الإبقاء على علاقاتها مع إسرائيل، بعد أن جمدتها سنوات عقب حرب يونيو 1967.
مثال آخر، من العلاقات العراقية الروسية؛ إذ من المعروف، أن موسكو كانت مهتمة بمتابعة أطوار الخلاف بين حكومات بغداد والأكراد؛ فقد آوتهم موسكو، لما كانوا لاجئين سياسيين، وبذلت مساعي من أجل إنهاء النزاع ومنح الأكراد حكما ذاتيا، تحقق قانونيا في عهد الرئيس العراقي صدام حسين؛ ثم تطور إلى ما يشبه الاستقلال، بعد كسر شوكة النظام البعثي في بغداد، وتعاون الكرد بدون حدود، مع الاحتلال الاميريكي؛ لقاء مكاسب وامتيازات سياسية لم يحلموا بها في السابق ورفعتها المكونات الوطنية.
في نفس السياق يندرج اللقاء بين وفد” البوليساريو”، بمستوى منخفض من وزارة الخارجية الروسية.
موضوعيا؛ يلزم الاعتقاد بأن الجانب الروسي سينصح جبهة البوليساريو، بتسوية سلمية مع المغرب، خاصة وأنه غير متصلب في مواقفه. ليس مستبعدا أن يصارح القادة الروس حلفاءهم الجزائريين بنفس ما أبلغوه للبوليساريو؛ وأن التهنئة أو التطبيع مع المغرب، سيعود بالنفع على الجانبين، وعلى الروس أنفسهم؛ وهم لن يخسروا كثيرا، إن تأثرت علاقتهم مع الجزائر؛ فليس لديها ما تمن به على موسكو، سوى صفقات التسليح المتوالية؛ إنما على الصعيدالاستراتيجي البعيد المدى، وليس المنفعي العارض، يظل المغرب يقينا، الأهم للروس من الجزائر، الفاقدة للبوصلة، المتعثرة الخطوات ؛ ما يشكل إعاقة لها عن الانخراط في خضم التحولات الجديدة، التي باتت مؤثرة في العلاقات الدولية، إن على الصعيد الثنائي أو المتعدد.
إجمالا، يمكن القول إن البوليساريو، لم يعودوا بخف حنين، ولا بمكسب سياسي هام. رجعوا كما ذهبوا من قبل، خاوي الوفاض. سمعوا كلاما طيبا مجاملا من الجانب الروسي؛ دون أن يعدوهم بتبني مواقفهم حيال المغرب. غاية ما يمكن أن تقدم عليه موسكو، ضم جهودها إلى المساعي السلمية المبذولة، حيث تلتقي مع إرادات ووساطات أخرى، في مجموعة “أصدقاء الصحراء” على سبيل المثال.
لم يصدر عن الرباط، اي موقف غاضب ضد الروس؛ فليس من عادة المملكة، انتهاج سلوب الشتائم والتصعيد، حتى مع دول باعت ضميرها لمؤيدي البوليساريو، وأصحاب الأصل التجاري في إنشائها، ومدها برأس المال .
المغرب يدرك أفضل من جارته الشرقية، لعبة العلاقات بين الدول، وما يحركها من مصالح متعارضة أو متكاملة. ولذات السبب، فإنها لا تصادر حق الدول الكبرى بخصوص كيفية تعاطيها الدبلوماسي المفيد لها. فكيف تلوم الأصدقاء الروس؛ وتسكت عن أمريكا الحليفة، وهي التي التقت واجتمعت، بعناصر من البوليساريو، على مدى عقود النزاع وعلى عدة مستويات، حتى راودت الرباط مخاوف منها!!!