نشرت منذ أيام تدوينة مختصرة، تساءلت فيها عن سبب عدم انخراط الفكاهيين المغاربة في المعركة الاعلامية التي تخوضها فئات واسعة من الشعب: كل من موقعه، وحسب مستواه ودرجة وعيه، وما ملكت يداه؛ ضد عدوان اعلامي متصاعد من الجارة الشرقية ؛ يتخذ كل يوم أشكالا غير مسبوقة ومستفزة، بما يحتويه من مبالغات مريضة، مضحكة؛لنا ولغيرنا، من متابعين خارج الحدود.
وأفترض أن معركة مثل هذه، مشوبة بقدر من الضحك على الخصم ومنه؛ جراء ما يقترفه من أفعال حمقاء، وتصرفات خرقاء، بغاية التصعيد والرغبة في إشعال نار الفتنة؛ دون تقدير لعواقب الهيجان الأعمى على الشعبين الجارين.
هذا البغض الشديد، وقد تجاوز الحدود والمعدلات ؛ ألا يستوجب مقاومة متعددة الأساليب والأشكال من جانب قوانا الناعمة؟ حملة فيها الجدي الخشن، الذي تتولاه في صمت وثبات؛ القوات الساهرة على أمن البلاد وسلامتها؛ وما أعتقد أن هذه الجبهة الصامدة، تطلب نجدة أو مساعدة؛ فلها من المدد والعتاد وثبات الايمان بالوطن؛ ما يكفيها للتصدي لإخماد الضغائن، بشجاعة وربطة جأش.
لابأس من التذكير ، أن الفكاهة المسلية للناس؛ بكل ألوانها، حتى السوداء ، لا تنجح دائما، في احداث المتعة المبتغاة في نفوس المستمعين أو المشاهدين ؛ ما لم تستند( الفكاهة) على الذكاء والخيال الخصب. بهما، يتمكن الفكاهي من رصد المواقف الزاخرة بالمفارقات المسلية.
ولست هنا، بصدد إعطاء درس في قواعد الفكاهة والسخرية؛ بقدر ما أسعى للفت الانظار إلى غياب أو ابتعاد غير مفهوم، لعدد من الفكاهيين ومحترفي صناعة الضحك والفرجة في المغرب؛ من خلال قنوات التواصل الحديثة، المتاحة بأقل التكاليف لكي يساهموا في فضح الزيف.
لم ينضم هؤلاء إلى الجهد الوطني التوعوي، الذي يقوم به مؤثرون آخرون، وهو ذو طابع تعليمي، في وسائل التواصل الاجتماعي، بمهارتهم في الابلاغ وتجربتهم في الالقاء. وضمن هؤلاء، من يلون خطابه ببهارات مضحكة، لا يكون مفعولها قويا مثل تأثير الفكاهيين المحترفين. أولائك يتواصلون بأساليب الفهم والإقناع خلاف الاثارة.
أما الفكاهيون، وخاصة الموهوبين منهم، فلهم حضور قوي لدى جمهور واسع للاعتماد على السخرية باوسع معانيها.
مؤسف أن يظل هذا السلاح في المغرب، بعيدا عن التوظيف في معركة وطنيةعادلة؛ بل حبيس المواضيع التقليدية المستهلكة؛ من قبيل التهكم من الفئات البدوية الأمية الفقيرة، البعيدة عن التحضر والسلوك الراقي؛ فهم يفهمون ويتصورون أن “التفلية” هي ذروة الفنون!!. ولو أضرت بالوطن أحيانا.
ليست هذه دعوة إلى إضرام النار وتأجيج المشاعر ضد بعضها ( لابد من المراهنة على بصيص الأمل في نهاية هذه “التراجيكوميديا”) ..
هي مجرد مساءلة للضمائر الفنية، وحث لها، لتلقي بسلاح الفكاهة في المعركة؛ مساهمة في فضح الخصوم وتجلية الحقائق للناس العاقلين.
ألم ينتبهوا إلى أن الفكاهة السهلة التي يروجونها؛ بدافع الربح الوفير؛ تكون ضارة بالوطن في ظروف المواجهة، من خانوا العهد وأنكروا الجميل!!