يبلغ بيدرو سانشيث، رئيس وزراء إسبانيا، الواحد والخمسين من عمره؛ لكن ممارساته السياسية في الحزب والحكومة تدل على أن عمره قد يكون أطول؛ إذ تتصف بالحكمة والحنكة والتجربة المستمدة من العمر المديد والباع الطويلة.
الأمثلة والشواهد كثيرة، على سلامة القرارات الدالة التي اتخذها “سانشيث” خلال مساره السياسي حتى الآن؛ مقارنة بأخطاء محتملة؛ قد يكون ارتكبها بداية، تغطيها النجاحات البارزة.
يتهم الرئيس الاشتراكي، من طرف معارضيه في أحزاب اليمين واليسار المتطرف على السواء؛ بالحزبية الضيقة والتضحية بمصالح الوطن، لإرضاء طموحه الشخصي أو تنفيع الزمرة القريبة منه.
أظنه اتهاما قاسيا، ينفيه انفتاح “سانشيث” على عناصر من خارج حزبه؛ كلفهم بمهام رئيسية في الحكومة: مدير ديوانه الأول (نيكولاس ريدوندو) بعد تنصيب البرلمان، لسانشيث، رئيسا للوزراء في 2018، عقب إسقاط حكومة ” ماريانو راخوي” على خلفية فساد مالي واسع .
لم يكن ( ريدوندو) مناضلا اشتراكيا، بل تقنوقراطيا ذا ميول ليبرالية معلنة، قريبة من فكر اليمين، أكثر من اليسار.
المثال الثاني، جديد وهو حدث الساعة. يتمثل في المساندة المطلقة المستمرة التي انخرط فيها الرئيس، منذ مدة تأييدا لحملة انتخاب السيدة “ناديا كالفينيو” بالتصويت لصالح اسمها، مرشحة لرئاسة البنك الأوروبي للاستثمار. المنصب الكبير الذي فازت به يوم الجمعة الماضي؛ لتصبح أول سيدة، على رأس أدارة اكبر بنك أوروبي عالمي.
ولا يعلم كثيرون، أو لا يصدقون، أن يدافع “سانسيث” بحماسة، عن مرشحة، لا تنتمي لحزبه الاشتراكي العمالي ( قد تكون متعاطفة، لكنها بدون بطاقة حزبية).
تعاطف، يمكن تفسيره ، بكونها قضت معه ولاية حكومية، مستقرةبصفتها النائبة الأولى للرئيس الممسكة بأصعب الملفات، أي الاقتصاد والمالية؛ النجاح أو الفشل تدبيرها، هو ما يميز السياسة المجتمعية الناجحة، بين حزب وآخر.
أسند “الزعيم” المنصب الحساس، لسيدة من خارج الحزب. قرار بالاستشارة أو بدونها؛ ربما ناله انتقاد بسببه من القواعد الحزبية.
واضح، أن سانشيث، غلب معيار الكفاءة والمصلحة العامة على الاعتبارات الايديولوجية .
لقد راقب السيدة البارعة ” كالفينيو” أثناء عملها في المفوضية الأوروبية، حيث اشتهرت باطلاعها الواسع على المعرفة الاقتصادية، ونجاعة أساليبها في التدبير، إلى جانب وضوح الرؤية في الظروف الاقتصادية الحالكة.
كالفينيو، وهي السيدة المتواضعة، التي لا تبالغ في الاعتناء بمظهرها وأناقتها، ذات سمعة طيبة في الأوساط الليبرالية المعتدلة، التي تمتدح نزعتها البراغماتية، في التعامل مع التقلبات المالية. يجمع على الثناء عليها، اليمين التقليدي في الحزب الشعبي المعارض ، ممثلا في زعيمه ( نونييث فييخو) الذي لايقول كلاما طيبا في سانشيث .
هي تحظى كذلك بنسبة تفضيل ايجابيةعالية، في استطلاعات الرأي العام الاسباني؛ ولا تنافسها في التفضيل سوى”مارغريتا روبليس” وزيرة الدفاع، ذات التأثير المعنوي في الحزب.
لو لم يكن، بيدرو سانشيث زعيما ذا بعد نظر وبصيرة سياسية قوية؛ لتخلص من المنافسين الأقوياء، الناجحين في الحزب والحكومة؛ غيرة وخوفا منهم؛ كما يحدث فى الكثير من التنظيمات الحزبية؛ بل إنها القاعدة المتبعة على اختلاف التبريرات .
سانشيث الشاطر سياسيا، غير المتعالي حزبيا على رفاقه؛ رسخ زعامته، وفرض شخصه على منتقدين قدامى وجدد؛ دون أن يسعى إلى تأجيج الخلاف مع أي تيار؛ مفضلا الحوار الهادئ مع الحساسيات الحزبية.
هذه الولاية الحكومية الحالية، وهي الثالثة، بصعوباتها الظاهرة والباطنة، ستكون مناسبة لاختبار قدراته وطاقته؛ خاصة إن نشب خلاف مع المتحالفين معه في تقاسم المسؤولية الحكومية ( عائلة سومار) أو بسبب شجار سياسي مع القوميين في كاتالونيا، الذين أكملوا له نصاب الأغلبية الحكومية. يصعب التنبؤ الدقيق بمجريات الخلاف حول المشكلات السياسية القادمة.
من سيخلف “ناديا” في نيابة الرئيس، وحقيبة الاقتصاد والمالية؟ سانشيث،أكد أنه غير مستعجل. أمامه الأيام الفاصلة عن مطلع السنة المقبلة، موعد جلوس “كالفينيو” على كرسي الرئاسة في “ستراسبورغ”.
فطبقا لتوقعات، سيباشر رئيس الحكومة الاسبانية، ملف الخلافة بنفس الأسلوب الهادئ . بإمكانه تعيين خليفة ل” ناديا” من الحكومة، بترفيع عضو منها أو اللجوء إلى خارج الحزب؛ فقد لمح إلى هذا الاحتمال بالقول: في إسبانيا كفاءات اقتصادية؛ في إشارة إلى المجتمع المدني الذي يحفل بمتعاطفين أوفياء للحزب الاشتراكي، عملت معهم أسماء منه في حكومات سابقة. أضاف، سانشيث، أن الاسم الذي يمكن أن يتولى ملف السياسة الاقتصادية؛ حاضر في ذهنه؛ ما يعني أن اختياره وقع على شخصية ببعض، أو كل مواصفات الوزيرة المغادرة.
ثمة صعوبة واحدة تواجه “سانشيث” العثور على مرشح بخيرة اقتصادية ودهاء سياسي.