اختار، بيدرو سانشيث، رئيس وزراء اسبانيا المنتهية ولايته؛ مراكش مكانا لقضاء جزء من عطلته الصيفية، رفقة زوجته (بيغونيا) وابنتيه.
وما إن وطئت قدماه، مطار المنارة ، ومثلما كان متوقعا ، حتى انهارت عليه الانتقادات من خصومه السياسيين؛ من اليمين واليسار؛ مشهرين ضده اتهامات شتى، يمكن إجمالها في التواطؤ مع المغرب والخضوع لمطالب الأخير.
ومن المنتقدين من جاوزوا الحدود، ولمحوا إلى أن الزعيم الاشتراكي، بقدومه إلى المغرب ، يكون قد قبل رشوة من نوع ما ؛ علما أن المسؤول الاسباني الأول، سافر على نفقته، على متن طائرة تجارية، أقلته مع مسافرين آخرين، دام السفر إلى بلد آخر رسميا.
ويأخذ اليمين المحافظ؛ على رئيس الوزراء ، كونه ترك البلاد في حالة غليان، على إيقاع توقعات وانتظارات حزبية متباعدة؛ بخصوص تشكيل الحكومة المقبلة والتي لم تحسم أمرها، الانتخابات التشريعية الأخيرة ؛ ولم يحدد الحزب المؤهل لقيادتها، مع التحالفات التي سيضطر إلى عقدها لإكمال النصاب الدستوري.
وبالنسبة، لبدرو سانشيث ، يكاد موضوع تشكيل الحكومة شبه منته، ولكنه من قبيل المستحيل على منافسه القوي “الحزب الشعبي” احتلال مكانه في قصر ” لامنكلوا”. وربما استبق سانشيث ، كافة المناورات التي يمكن أن يلجأ إليها اليمين، للحصول على مآربه المستعصية؛ كماة أحبط الحيل والمخططات، التي لن يتورع خصوم الاشتراكيبن ، عن استعمالها لكسر تحالفهم مع تشكيلات اليسار القومي، المتهم من طرف اليمين ، بجناحيه ؛ بالسعي لتقويض كيان الدولة الإسبانية، وتحويلها إلى ما يشبه في بعض الجوانب نظام “ملوك الطوائف”.
يجب الاعتراف وبموضوعية، أن إسبانيا تتهددها على المدى المتوسط أخطار سياسية محدقة، يفاقمها الانحراف نحو التطرف السياسي والهوياتي، واعتناق أفكار اليمين الشوفيني أو اليسار الفوضوي العدمي.
لقد اكتسب سانشيث تجارب مفيدة وبرز في المشهد الحزبي كأكبر مراهن براغماتي، على الأهداف التي يقتنع بها حزبه ، ما جعل منه محاربا شجاعا، وخصما عنيدا لدعاة التطرف في المعسكرين؛ فقد تمكن من كسب رهانه السياسي مرتين، وقاد حكومتي ائتلاف اضطراري صعب، مع فصائل من اليسار الاسباني، مجتمعة في البداية تحت لواء ” بابلو ابغليسياس” زعيم حركة بوديموس، الذي تقلد منصب نائب رئيس الحكومة، مع أنه كان كثير الضجيج، لكن سانشيث تحمله إلى أن انفرطت وحدة الحركة وتلاشت زعامة ” ابغليسياس” في الفضاء، ليخلفه تحالف ” سومار” بزعامة ” يولاندا دياث” التي قادت حملة انتخابية نشيطة دون لن تحقق النتائج المبتغاة.
والمؤكد أن الفضل يعود إلى “سانشيث”في كسر شوكة التطرف اليساري .
لم يعد اليمين المعتدل( الحزب الشعبي) إلى قصر الحكومة منذ أخرج ” سانشيث” سلفه ماريانو راخوي، بواسطة ملتمس رقابة ضد حكومة الأخير ، على خلفية ضلوع الحزب الشعبي في فساد مالي دانته العدالة..
ويمكن إضافة تصدع يمين الوسط ( ثيودادانوس) إلى قائمة ضحايا دهاء سانشيث؛ إذ يبدو مرجحا مكوثه حيث يقيم الآن، وفق مؤشرات متطابقة .
سيتوصل، على الأرجح، إلى اتفاق أو هدنة مرحلية مع اليسار القومي؛ فهو يعرف قاموسهم السياسي ومعانيه الواضح منها والملتبس. معرفة تمكنه من ابتكار الحلول والترتيبات المتبادلة؛ وقد يقنع محاوريه، عند الاقتضاء، للحصول على مهلة لتأجيل النظر في القضايا الخلافية الكبرى، التي يحس الاشتراكيون أنها بدأت تسري في المجتمع الاسباني، ذات المحتوى الاجتماعي والتي تفرزها الاستحقاقات الشعبية. ولذلك لا يمانع الاشتراكيون في مناقشتها للوصول إلى قناعات ممكنة ، من قبيل تصور مجالي جديد للتراب الوطني بما يعنيه من اقتسام جديد للثروة الوطنية والعدالة الجبائية والمساواة الكبيرة بين الجنسين. صحيح أن واقعية ، سانشيث، لا تقنع اليسار القومي دائما وبسهولة، لكنها تخفف من حدة المعارضة والممانعة.
إن قدومه إلى المغرب في رحلة الصيف، تحمل رسائل سياسية دالة؛ أبرزها ثقته أنه باق في رئاسة الحكومة، فهو مستقل الرأي، والشخصية القوية؛ لا يتأثر بالحملات المنتقدة له، من مواقع وعن دوافع يعرفها .
يقول لخصومه أن التهدئة مع المغرب يجب أن تظل اختيارا للحكومات المتعاقبة؛ مهما اختلف لونها وتوجهها السياسي..
مثير للاعجاب، هذا السياسي الذي برز من صراع وخلاف كبير، برز في فترة حرجة ، بين أجنحة الحزب الاشتراكي؛ ما أرغمه على الاستقالة من الأمانة العامة؛ ليهيئ حرب استرداد المنصب، وعاد معززا فدان له الرفاق، مؤمنين بجدارته وأحقيته في القيادة، فحقق انتصارات متتالية.
هو الآن على عتبة الحكومة الثالثة مثل “المعلم” الكبير، فيلبي غونثالث.
ولحد كتابة هذا التقرير ، تتحرك الرياح بقوة في صالح “سانشيث” أما الحزب الشعبي, ، فهو عاجز عن إكمال النصاب القانوني، واليسار المتطرف سيضطر إلى تخفيف صوته، وهو مخير بين حكم تحالف “الشعبي وفوكس” أو إعادة الانتخابات التي يمكن أن تضع البلاد على مشارف أزمة عميقة، تهدد اللحمة الوطنية وتشعل النار بين الدولة المركزية والقوميات الطامحة إلى الاستقلال التام عن مملكة أراغون.
عاشت إسبانيا في عهد حكومة راخوي ، مشاهد من الاحتقان السياسي الكبير.
فهل سيعود سانشيث، من مراكش ببركة سبعة رجال. المؤكد في الوقت الراهن ، أنه رجل الساعة بدون منازع.