ليست ضريبة التخلف هي فقط الحقبة التي قضاها المستعمر في نهب خيرات الارض واستعباد أهلها. وليست فقط في استخلاف المستعمر لمن يمثله راعيا لمصالحه في كافة البلدان التي كانت مستعمرات.
لا توجد دولة غادرها المحتل لتجد طريقها معبدا نحو الاصلاح والديموقراطية وبناء مجتمع المعرفة.
ذلك أن عقلية الكولونيالية الامبريالية، حين ضاقت بمقاومة الشعوب التي ناضلت في طلب استقلالها. اهتدت، بل ابتكرت أساليب لإبقاء هذه الشعوب والأمم تحت نير الاذلال والتبعية العمياء. فأبعدتها عن نهج الإصلاحات الديموقراطية، وحالت دون وصولها الى عتبة المعرفة والعلم. و وضعت كافة العراقيل لمنعها من تحقيق هذا المطلب النبيل الذي سيحقق لهذه الشعوب انعتاقها من ربقة التبعية والاستعباد ، ويفتح أمامها الطريق نحو التحرر الفعلي وبناء الذات بالتخلص من رواسب الاستبداد والاستعباد ، والدخول في دينامية التاريخ.
لذلك فالدول الامبريالية التي لازالت تحت هاجس الحنين إلى ماضيها ، من حيث بسط هيمنتها على المستعمرات ، أو بعد ذلك السيطرة على الأسواق ما فتئت تصطنع مناهج وسيناريوهات لخلق فتن ونزاعات سياسوية حول الحدود مرة، وحول المذهبيات أديولوجية كانت أو دينية، تنتج عنها صراعات مزمنة سواء بين الدول أو بين التيارات المتضاربة والعقليات المتجمدة من أجل تحقيق الهدف المتمثل في إبقاء هذه الدول والشعوب أسيرة القرار الذي تمليه عليها القوى الكبرى.
القوى العظمى أقامت سدا منيعا غير مرئي ، لسد الطريق على الشعوب المستضعفة والحيلولة دون وصولها إلى المعرفة، حتى لا تدخل معها مضمار المنافسة والتنافسية.
وحتى تبقى هذه الاقطار في خانة الاستهلاك، لاهي تنتج كفايتها من الغذاء وسائر الضروريات، ولا من احتياجات الرفاه والحياة العصرية.
بمعنى أسواق للأسلحة والقمح والسيارة والطائرة والدواء. ولم لا العطور وأدوات الزينة والموضة، إلى غير ذلك.
فالمنحى الجديد للعقلية الامبريالية يتمثل في الانتقال من استغلال الارض والفرد، إلى استغلال العقول و السلوك المجتمعي ، عبر وسائل التدجين والتنميط، وبوسائط شتى أهمها، الإشهار والفيروس الكوني الممثل في البرتابل والانترنت والميكانيزمات المسخرة لتعميق الهوة الفاصلة بين القوى الفاعلة، وتأبيد جبروتها وطغيانها وبين سائر الدول المفعول بها و المغلوبة على أمرها.
إنها ضريبة التخلف. فإلى متى ستبقى الشعوب مجبرة على دفع هذه التكلفة الباهظة؟.