الخطاب طُقس من طقوس ممارسة القوة الناعمة ؛ رغم أنه يتضمن وعيدا قبل الوعد ، لضرورة التوازن بين إنتاج الإستقطاب وامتصاص النقمة وبين إنتاج مقتضيات الخضوع وإنعاش بيئة الولاء ، وذلك في إطار لعبة سيميائية الحديث والحركة ، وعبر آلية الصوت والصورة .
وبغض النظر عن أهمية الخطاب كآلية للحوار وإنتاج الإلتزامات والقرارات عبر آلية ضمان الحقوق والواجبات ؛ فإن إلغاء الخطاب هو إعدام للتواصل والتشاور ، وبمثابة عودة للمجال السياسي المغلق ، ضدا على إرادة الإنفتاح وتمكين الفضاء العمومي من حقه المشروع في ممارسة السلطة ( معارضة و مضادة أو تشاركية مشاركة ) ، ناهيك عن تكريس عقدة “اللايقين ” و” التردد ” الذي يطوق العقل الأمني وينتج التوجس واللاثقة .
فليس الخطاب سوى امتثال لقواعد ما يسميه مشيل فوكو ب” التكنولوجيا السياسية للجسد ” ، والتي يقاس بها الحضور والأداء ( للسلطة ) ، خاصة من خلال الخطاب المكتوب ( المفكر فيه والمخطط له ) والمؤطر بالمنطق البلاغي المنتج لأنصاف الحجة والمبلور للرهانات والإنتظارات لدى المتلقي خلال لحظة الإتصال المباشر ، والذي بحكم القراءة والتحليل الواعيين ( النقدي الفكري او الحسي السياسي ) يتحول إلى تواصل تفاعلي ، مادامت كل قراءة إعادة كتابة وبالتالي تتشكل الإرادات ( المتعددة والمتنوعة ) لأجل التفعيل أو مجرد تعامل إيجابي أو مساندة نقدية الخ أو إعتراض كلي أو نسبي . فيفتح باب التأويل وتدبير الإختلاف وتصحيح الإختلالات على مستوى بناء السياسة وميزان القوة . ليظل الفضاء الخطابي ، في آخر التحليل فرصة لممارسة السياسة في أفق المشاركة في السلطة وتدبير القوة العمومية والمساهمة في إنفاذ القانون على أساس أن التعاقد شريعة المتعاقدين .