“إن القطع مع الماضي له معنى واحد: الانتقال ديموقراطيا وبأدوات ديموقراطية، .من نظام غير ديموقراطي إلى نظام ديمقراطي ، لأن التحول الديموقراطي غاية ووسيلة”
كنت وسأظل أكرر هذه العبارات والتي اعتبرها منهجية بيداغوجية لتأكيد وترسيخ مقاربتي المعلومة وأنه لا يعقل أن نبالغ في الدفاع عن اللحظة الوطنية على حساب اللحظة الديمقراطية ، مقاربة تعتبر شعار تحرير ديمقراطية إشتراكية غير قابل للتقادم أوالتخلي ، ومن هذا المنطلق تظل الشرعية الديمقراطية هي الأساس ، في ظل تآكل بقية الشرعيات الأخرى المؤسسة أو المهيكلة مبدئيا ، ولكن غير الحاسمة في آخر التحليل ، ولأن تنافس الشرعيات من تاريخية او وطنية أو دينية وتنازعها بالأحرى مكلفان ، حيث الثمن هو إرجاء مطلب الديمقراطية ، بإسم عدم النضج أو تقديم اللحظة الوطنية ، وهو ثمن باهظ ما دام يؤبد معوقات التحول . من هنا فإن نؤكد على ضرورة إحداث المجلس الأعلى للأمن ، والذي يمكن اعتبار عدم تفعيله انتهاك للدستور الذي أقره ، خاصة وأنه غير معلق على شرط سن قانون تنظيمي لتنصيبه ؛ فهو لا يحتاج سوى فعل ” كن ” ليكون ويشتغل ، وفي رحابه يتم التشاور ثم التداول في كل ما يتعلق بالسياسات العمومية في مجال الأمن والأمور السيادية المحسوبة افتراضيا وعمليا وواقعيا على المجال المحفوظ للمؤسسة الملكية ، و الغاية من الإلحاح على جدوى تنصيب المجلس الأعلى هي التحقيق الفعلي والناجع لمبدأ التشاركية ( بصرف النظر عن صعوبة ديمقراطيتها ) وذلك في بلورة مواقف موحدة أو توافقية حول طرق تدبير الشؤون الخارجية وقضايا السيادة الوطنية والوحدة الترابية ، والتي تتأثر لزوما بالوضع السياسي والإجتماعي الحقوقي العام ؛ وهو وضع يفترض فينا النضال لتصفيته بما هو أفضل وتجويد السياسات المتعلقة به عضويا ؛ وليس تبريره او الدفاع عنه إختلالاته السلبية ، منا يستدعي منا كحقوقيين أن نرصد ونثمن التطورات الحاصلة وصد ونقد بل مناهضة وفضح الخروقات المناقضة لاستراتيجية النضال الحقوقي ، وذلك بصنع وطرح البدائل ، عوض التزكية والمهادنة والمجاملة طمعا في إستقرار مزعوم . صحيح أن بعض المنظمات الحقوقية الأممية والمؤسسات التشريعية أو الحكومية الدولية قد تشاركنا نفس الشخيص ، غير أن هذا لن يدفعنا إلى المجازفة والتعاون ( موضوعيا هو تواطؤ ) من أجل تزكية حق قد يراد به باطل ، فنحن أولى بفرض مقاربتنا المستقلة عن الدولة و” أعدائها ” الخارجيين ، لأن الدولة وعقلها الأمني مسؤولة عن أخطائها وعن أعطاب مقاربتها ( السياسية والأمنية ) ، ولا يعقل أن تتماهى مواقفنا مع أي منهما ، اللهم ما تعلق بالمشترك الوطني السيادي دون توزيع صكوك غفران أو الإنسياق مع وصايا المركزية الغربية التي قد تعتبر التدخل الإنساني ذريعة لخدمة المصالح الخاصة . ولأن المناسبة شرط لابد من أن نؤكد بأنه على الدولة ومهندسيها الأمنيين أن يعطوا الأسبقية ، في الإنصات والتفاعل والتجاوب مع تظلمات ومطالب وتعبيرات واحتجاجات المواطنين وتقارير الهيئات الحقوقية الوطنية ، دون تمكين الخوارج من أي امتياز في التعاطي أو الإعتبار ، فالمغاربة أولى بالاعتبار والعناية والإنصاف ، وإن الموضوعية تقتضي الإقرار بأن سؤال الأمن القضائي والمحاكمة العادلة لا زال ينتظر المعالجة والتحيين والتجويد ،في ظل إصرار السلطة التنفيذية على إلحاق كافة السلطات والمؤسسات والهيئات ، إضرارا بها وبمبدأ إستقلاليتها ، ولأدل على ذلك ما يجري وما يخطط له في العلاقة مع مكونات منظومة العدالة ، خاصة في التنظيم القضائي والنظام الأساسي للقضاة وقانون مهنة المحاماة ، وحتى المجلس الوطني للصحافة لم يسلم من إرادة الإلحاق والذيلية من خلال ما تبين من التعديلات المراد إدخالها ، سواء المتعلقة بتعيين الرئيس بمقتضى ظهير او بتحويل الهيأة إلى مجرد ناطق ومدافع عن السمعة وتلميعها بإسم الحكومة المغربية تجاه الخارج ؛ وهو نقاش ينبغي أن نطلقه عموميا لإنقاذ ما يمكن إنقاذه ، فالحقوقيون مجبرون على الدفاع عن مصير الوطن وحقوق المواطنين وليس عن سياسة الدولة في مجال حقوق الإنسان .
*رئيس المركز المغربي للديمقراطية والأمن
وأكاديمية الحكامة التشريعية والأمن القضائي