‏آخر المستجداتلحظة تفكير

مصطفى المنوزي: المفهوم الجديد للمصلحة الفضلى لشباب الوطن والمنفعة العظمى للوطن

علمتني تجربتي المتواضعة ألا أتسرع في التفاعل مع ما اصطلح عليه ب” التسريبات ” والتعليق على مجرد تعليقات وانطباعات ، ولذلك عندما طالبتني بعض المنصات أو المنابر الإعلامية بإبداء رأييي ، اعتذرت لأن مسودة ” مشروع قانون ” مدونة الأسرة لم تُصغ بعد من قبل الحكومة ، والتفاعل والنقد أوالحكم يكون على النص كاملا أولا وشاملا ثانيا وفي صيغته الرسمية ثالثا ، وليس فقط مجرد تقرير عام حول انطباعات ومواقف في صيغة استشارية مؤسسة على إحالات مرجعية سميت شرعية وفقهية . فقواعد النقد الجدي تشترط الحذر من الإنزلاق مع سجالات وحروب الكلام الصغرى ، ليتم الإعتذار والتراجع بدعوى أن الأمر لا يعدو مجرد بالون اختبار للقوة ولردود الفعل هنا وهنالك !
و ما يهم هو أن أبدي موقفا مبدئيا ، هو أن إرادة المشرع لابد وأن تستحضر ” قانون ” التوازنات المتناغمة مع قواعد اللعب المتعارف عليها ، والمنسجمة مع ” قانون ” التدرج والتغيير الهادئ على جرعات ، على إيقاع تعديل بعض المقتضيات ” الجامدة ” بآلية التكييف عوض مقومات التحويل الجذري ، بعلة أن المجتمع محافظ ( ما زال ) بطبعه في ظل نظام تقليداني بطبيعته ، رغم محاولات تمثله لمظاهر ليبرالية غير جوهرية ، ولذلك فالرهان غير كبير ، ولكن هناك أفق يؤطر طموحنا ورغبتنا في أن تكون لحظة التشريع ، بعد إتمام صياغة وتسويغ النص ، لحظة المكاشفة تكون فيه المسؤولية الحقوقية والإجتماعية للدولة على المحك ، حتى لا يتوهم البعض أو الجميع بأن الأمر يتعلق بقانون ينظم الجولان داخل الأسرة ويرتب الجزاءات على مخالفات صادرة عن أحد. طرفي ” العلاقة التعاقدية ” المسماة زواجا أو أبوة أو أمومة أو قرابة …أو الناتجة عنها من بنوة أو نسب أو حضانة أو توارث أو إنفاق… ، لأن الأسرة أعظم مؤسسة في المنظومة التربوية ، وما الزواج إلا مؤسسة فرعية مرتبط مصيرها بما توفره الدولة من إمكانيات العيش الكريم وبكل ما يرتبط به من توفير الشغل والصحة والسكن والتعليم …طبعا للحب والمعروف وكافة قيم حسن التعامل دورها في تماسك الأسرة ، ولكن تبقى أسباب التوتر عائدة للظروف الإقتصادية والمادية عاملا حاسما ، وقد أكدت حصيلة قضايا التطليق بسبب الشقاق ، أن السبب هو قلة ذات اليد ، وتأتي الأسباب العاطفية والأخلاقية في آخر الترتيب . من هنا اوافق ، أساسا ، و من الآن على ما يعتمل من مجهود من أجل المصلحة الفضلى للأطفال ، فهم آباء وأمهات المستقبل ، وكلما كانت ” حالتهم ” المدنية والمادية مستقرة ، كلما كانت آفاقهم واعدة ومستقبلهم مضمون نسبيا مقارنة مع غيرهم من مجهولي الهوية والمصير . صحيح أنه من حق الدولة وممثلها القانوني أن يتفادوا تحريم ما حلل الله وتحليل ما حرم الله ، ولكن مصير الوطن نفسه رهين بحياة فئات الأطفال المتخلى عنهم والشبان المهمشين ، والذين يفتقدون لأبسط شروط العيش ، فحياتهم تتأسس على الشقاء من أجل البقاء يائسين ومحبطين ، وفي ذلك لا يهمهم أن تكون الوسيلة المعتمدة أو الدخول حلالا أو حراما . ولأن الدولة ومؤسساتها أب راعي لمن لا اب له ولا أم ولا أسرة ، فالمسؤولية الإجتماعية موضوع أفضل دائما تأويل مدى ثبوتها في إطار قاعدة ( درء مفسدة خير من جلب منفعة ) ، ما دام هناك شبه تساوي ما تطمح له الدولة الإجتماعية وفق ما نادى به وزير التوفيق الوصي على الشؤون الإسلامية بتفويض من إمارة المؤمنين ، وبين ما يطمح إليه الدعويون في منصبهم الإستشاري لدى أمير المؤمنين . وفي هذا أحيل على ما قاله الإمام السبكي رحمه الله : ” درء المفاسد أولى من جلب المصالح . ويستثنى مسائل ، يرجع حاصل مجموعها إلى أن المصلحة إذا عظم وقوعها ، وكان وقع المفسدة [أخف] : كانت المصلحة أولى بالاعتبار . ويظهر بذلك أن درء المفاسد ؛ إنما يترجح على جلب المصالح إذا استويا ” .
في نظري المتواضع لا ألامس في تشريد الأطفال وانحراف الشباب أية مصلحة لا فضلى ولا غيرها ، فنحن في حاجة إلى جبر الأضرار بدل جبر الخواطر ، ولنؤول إيجابيا القواعد وفق ما فيه مصلحة فضلى للأطفال والشباب وما فيه منافع للوطن ، وفي ذلك فليتنافس المتفقهون والله أعلم من أي عالم .

‏مقالات ذات صلة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


Back to top button