( بمناسبة ذكرى إختطاف الحسين المنوزي في ذكرى إختطاف بنبركة )
عندما نطالب بالبوح بالحقيقة الكاملة ، وهي نسبية بالطبع ، فإننا نروم إدراك الحق الذي يراد به حقا ، ومن هنا سنظل نردد مع التاريخ والشرفاء بأن الحقيقة مهما كان محتواها لن تفزعنا ولن تغير من قناعتنا الاختيارية والنضالية ، فهدفنا هو معرفة حقيقة السياقات والمصائر ، لذلك فواقعة تلقي تنظيمات المعارضة للدعم السياسي والمعنوي والمادي والمالي، من جهات حليفة داخلية او أجنبية لم يكن غريبا مادام سياق التناقضات وصراع التقاطبات كان يفرض نفسه ، سواء في صيغة حرب باردة او باستعمال القوة الصلبة ، فرغم أن المعارضين من أصول المقاومة وجيش التحرير لا يصطفون مائة في المائة مع المعسكر الشرقي ، فإن الأفكار التحررية والتقدمية ، وبخلفيات اشتراكية وقومية ، كانت تجعلهم مضطرين لمواجهة الدول الاستعمارية ، وبحكم طموحهم إلى انشاء دول ديمقراطية في صيغة ” رأسمالية الدولة الوطنية ” متحالفة ضد الأمبريالية في أعلى مراحلها الرأسمالية المتوحشة ؛ وهذا ما كان يشرعن لتبادل التعاون والمساندة ، فليس غريبا لدى الحركة الاتحادية أن تستفيد من مساعدات لوجستيكية في سوريا نور الدين الأتاسي وصلاح جديد ، قبل ان ينقلب عليهما حافظ الاسد ، ومن يمن ابوبكر العطاس وسليم البيض قبل الضم القسري لليمنين ، وكذلك جزائر احمد بنبلة قبل انقلاب الهواري بوخروبة ، فكل هذه المساعدات والتعاون ” اللوجستيكي ” جرى ما بين بداية الستينات الى منتصف السبعينيات ، حيث الصراع في اوجه بين الأنظمة الرجعية والعميلة للغرب الرأسمالي وفلول الاستعمار ، وبين المعارضة السياسية والمسلحة ، حول من يستقطب الجيش ، وبالنسبة للمغرب ، كان الجيش الملكي منقسما الى ثلاثة اتجاهات او مكونات ، طرف تابع لفرنسا ، خبرة وتكوينا ، وطرف متعامل مع امريكا ، وآخر منحدر من جيش التحرير المغربي ، وهذه الفسيفساء غير المتجانسة هي التي جعلت جميع المحاولات الانقلابية تفشل ، لكنها نجحت في فضح هشاشة القاعدة ” الاجتماعية ” للنظام ، وتبعيته للخارج ، فهو كان عميلا بشروط اذعانية . وبنفس القدر أبان فشل محاولات رهان المعارضة على ” الكفاح المسلح ” المؤطر بتعاقدات هشة ومتواطئة مع جنرالات أغلبهم دمويين وجلادين . إنها تفاصيل مُقبرة في الأرشيف السري للقوات المسلحة الملكية والدرك الملكي وفي عقل وذاكرة كثير من الضباط ” النزهاء ” غير العاملين حاليا والذين يمنعهم قانون الأرشيف بإسم أسرار الدفاع كما يمنعهم بعض القضاء الجبان بعلة التعليمات والإستنجاد الضمني بمقتضيات المادة السادسة من قانون حصانة العسكريين . وللأسف لم يستوعب مهندسو العهد الأمني الجديد بأن عدم الإنتقال الأمني ، بسبب تكلس العقيدة الأمنية ، لن يساعد على أي إنتقال مستقبل ولن تحدث أي قطيعة ولا حتى تواصل تاريخي ، وسوف تحصل حوالة التركة السوداء إذا لم تتم المصالحة مع الحقيقة الوطنية ومع الماضي خارج منطق المقاربة التعويضية والتسويق الإعلامي المغرض .