نقدا وتفاعلا مع مقال نشره أحد ملاك النشر في المغرب على صحيفة إسرائيلية ينتقد فيه ، بدون مسافة حيادية وضرورية ، قرار ” المحكمة الجنائية “” صدر ضد مجرمي الحرب على الفلسطينيين العزل ، والذي أثار الكثير من الغضب والسخط على كافة المستويات الشعبية والسياسية.
ولأننا بمقدار ما نريد للنشر والرأي والتعبير أن يذهب إلى أبعد مدى لا نريد له أن يصبح أداة للدفاع عن الشر والفظائع والمذابح ؛ فإن الواجب النضالي يقتضي ، أن ننتفض ضد كل ما من شأنه أن يتجاوز العتبات من حيث المبدأ ويستفز مشاعرنا الوطنية ، وينقض عهودنا التحررية والتاريخية ، ويحرج إلتزامات الدولة السيادية ؛ في ظل تحولات جيوستراتيجية يبدو فيها الأمن مستحيلا والأفق مجهولا ؛ ولذلك ونحن نواصل حشد العزائم ومقومات المقاومة والصمود لأجل مواصلة تفعيل ما تراكم لدينا من التزامات تجاه وطننا العزيز ، وطن ، وهو مؤسس على ما ورثناه عن أسلافنا من المناضلين الشرفاء ، بمن فيهم من شاركوا في معارك حية داخل فلسطين المحتلة.
نعيش تيها ليس بسبب ارتباك بوصلة قياديينا الجدد فقط ، ولكن أيضا بسبب انتعاش التحريفية والإنتهازية لدى النخبة التي كانت تزعم ، ذات أيام ولحظات ، أنها متنورة وتقدمية التصور والتحليل والتفكير ، وصارت واليوم تشرعن لثقافة التفاهة والمبررة لما يجري من انتكاسات على مستوى المكتسبات والحقوق ، واعتبار كل مقاومة إرهابا في سياق حق يراد به باطل ، إلى درجة تتفيه الشر ، وذلك بخلفية تكريس التطبيع معه ؛ فقد صار الشر في نظرهم انواعا وألوانا ، شرور جذرية وأخرى تافهة ؛ وهذا يذكرنا بما نعته المفكرة حنا أرندت في حق جرائم أدولف أيخمان المتورط في الهولوكست الشهير.
وبمناسبة محاكمته ، فقد صنفتها ضمن ” تفاهة الشر ” ؛ وهو سيناريو يتكرر هذه الأيام مع حركة ” صهينة المشهد الثقافي ” وهي تحاول عبر مخططها الإعلامي تتفيه شرور الصهيونية وعملائها ، أي التقليل من خطورتها وفظاعتها ، في أفق التطبيع مع الشر الاستراتيجي والإستئصالي للشعوب . صحيح أن الشر آفة متأصلة لدى النزعات والحركات الأصولية هنا وهناك ، ولكن مهما كانت الغايات فلا يمكن تصور وتوقع تحقيقها إلا على حساب مصير وكرامة الأوطان ومعاناة وحقوق الإنسان ، وحتى لا يسقط وعينا في العدم ؛ نؤكد على أنه يستحيل الرهان على أي سلام غير آمن وأي أمن غير عادل ، ولو اقتضته التحديات والإكراهات الموضوعية تجاه بعض مصالحنا الطارئة على جدول أعمالنا الوطني .