عام جديد آخر يمضي، لكنه مر كالعلقم؟
ليس تشاؤما، ولا قولا على نسج العتمة. ولكن الزمن الذي ينصرم تباعا، ليس سوى واجهة للإفلاس والكآبة البشرية.
هي حقيقة، تتقاطع فيها كل المآلات والأوجه الخفية من نظام كوني يتشكل على نيران ملتهبة، أشد فتكا، وأخطر توحشا، وأبشع مما نتصوره نحن المتفرجون.
عام بعد عام، يستحوذ الأمبرياليون الأشرار على السعادة البشرية، حيث تطوى التواريخ التي عاشتها الشعوب، في غفلة من مستعمري العالم البئيس، وتعاد صياغة تواريخ جديدة، تستحدث فيها القطائع، وتمسح آثار من كان قبلا، يأكل بالبركة وينام على شعار (خبز وزيتون يشبعنا؟). تلك أيام خلت، ولا عودة إليها أبدا.
القوى النووية العظمى تفرض مؤسسات بديلة، عن عالم الديموغرافيا والشيخوخة. بل إنها تحرص أشد ما تحرص، على أن يكون الميزان غير ما تصبو إليه العدالة ويطمح إليه الديمقراطيون المبشرون.
في الإقامة الجديدة للمستعمرين الجدد، ستفرض الآلة النقدية الدولية، أشكالا أخرى للعبودية والخنوع. توقيف النظر بالاستقلالية الذاتية للأمم، وإعادة تدجين المتربصين وتهجينهم وإخضاعهم للعجينة المتحفزة لتقطيع خريطة العالم.
لقد استعملوا كل الطرق لحماية نظامهم القهري، وبعد أن فاحت رائحة مخططهم في الجائحة المؤامرة، هاهم يعاودون الكرة مرة إضافية لفرض التبعية وتدوير شروط بيت الطاعة؟.
عام مر فوق ملايين الجثث، أمراض وأوبئة تفتك، وأسلحة وجيوش تتناطح، وغزوات في البحار والبراري، وقراصنة سيبرانية تتواجه على مواقع مفترضة رقمية، وسياسات مافيوزية تتشكل في أروقة الأمم وتحت ألوية الاتحادات المستعمرة، وصناعات ثقيلة تخنق بيئة الأرض وتعطل نواميس الطبيعة .. وهلم جرا.
لا يعود العام إلا منتقما، شأنه شأن غيره من أزمنة السقوط القيمي والإفلاس الحضاري والإنساني، وبعد ذلك، سيكون من الأكيد الوقوف عند استنتاجات تاريخية سالفة، عملت على قراءة العلاقات الدولية، من زاوية “القوة الغالبة”، وتأثيراتها الاستراتيجية على المنظومة الدولية، وتسلطها المباشر على أنساق القانون والثقافة والعهود والالتزامات..إلخ.
لقد قيل، إن حركة تسميها نخبة من الفلاسفة الأوروبيين، من بينهم إدغار موران، ب”تجاوز الإنسانية” امتدت بين نخب التكنولوجيا والاقتصاد، تذهب إلى أن هناك قوى علمية وتكنولوجية تستند إلى نظرية أسطرة الظاهرة الغربية الكامنة في التحكم غير المحدود في العالم الخارجي والحلم الطوباوي (المثالي)، يشكل مفصلا لمجتمع يحتاج لاستخدام الذكاء الاصطناعي يجيز الفوضى الخلاقة ويستبيح في العمق السياسي الإيمان بالحريات.
حتى إنه بات معلوما لدى كل المثقفين، أن ما صار يسمى ب”علم المستقبل” لا جدوى منه، وأن البشرية معرضة لزلازل ومفاجآت وشكوك، وقطعا، ستكون الحروب والنزاعات البشرية سيدة الموقف وسيرورته المحتومة، “ناهيك عن أن هذه الهزات تنذر بتفاقم العنف والجهل أكثر من تعزيز الوعي”.
إن المحتفلين برأس السنة الميلادية الجديدة، إنما يستبقون لحظات الانتماء لهذه الكرة الأرضية، التوق إلى احتضان بعض من أنواء هذه الشعلة المتكسرة، في استرداد مسالم لأحاسيس التنقل من عمر لآخر، وهم يستندون إلى مزاحمة الوحشة والضياع والقلق المتواصل.
لهم الحق، في أن يستبشروا بفك عزلتهم، واستبصار أمل يطمعهم في ومضة حياة، أو انبلاج فجر هارب، أو وصمة اندلقت من تحت إبط الموت.
ولكننا، بإزاء ذلك، نوفر جهد التخمين في قراءة المستقبل المبشر بأحلام كطعم السراب، حتى لا نصدم بالغوايات المنقلبة، والسكتات الدماغية المبطنة، وفزاعات الأحراش والمخبولين الذين يدبرون شؤوننا العمومية، الكامنين خلف كل هذه المصائب والخرابات والنذوب ؟.
ومع كل ذلك، نتأدب مع القراء والمتأملين في قدرة الله على الخلق، ونقول: كل عام وأنتم بخير، وطيب الله أوقاتكم بالخيرات.