كتب: عز الدين أوزيان
تعد “مكتبة الشعب” في مراكش رمزا ثقافيا نادرا، معلما يجسد نضال المدينة ضد الاستعمار الفرنسي وتفانيها في تعزيز الثقافة والمعرفة. منذ افتتاحها في عام 1941، قدمت المكتبة مساهمات قيمة في محاربة الأمية وتعليم المواطنين، لتصبح مركزا ثقافيا يشع بالنور في قلب المدينة العتيقة، قرب ساحة جامع الفنا.
لكن التحول الذي شهدته المكتبة من معقل ثقافي إلى مطعم للوجبات السريعة يثير جدلا كبيرا. إن هذا التغيير ليس مجرد مسألة تجارية، بل هو اختبار حقيقي لقيمنا الثقافية وتقديرنا لتراثنا التاريخي. بينما يتعين علينا تلبية احتياجات العصر الحديث، لا يمكننا تجاهل أهمية الحفاظ على المواقع التي شكلت جزءا لا يتجزأ من هوية المدينة.
إن تحويل “مكتبة الشعب” إلى مطعم يعكس التحديات التي تواجهها المدن التاريخية في عصر التحديث السريع، حيث تتصارع التطلعات الاقتصادية مع الحفاظ على القيم الثقافية. هذا التغيير يهدد بفقدان رمز ثقافي مهم يعكس جهود المدينة في مقاومة الاستعمار وتعزيز التربية والتعليم.
يجب أن نتساءل: هل يمكننا أن نسمح بفقدان جزء أساسي من تراثنا الثقافي في سبيل تلبية احتياجات السوق؟ إن الحفاظ على تاريخنا وثقافتنا ليس ترفا، بل هو مسؤولية. نحن بحاجة إلى حلول مبتكرة توازن بين الحفاظ على المواقع الثقافية وتعزيز التنمية الاقتصادية. يجب على المسؤولين والمجتمع المدني العمل معا لتطوير استراتيجيات تحافظ على التراث الثقافي وتعمل على حمايته.
إن الحفاظ على “مكتبة الشعب” كموقع ثقافي يعزز من هويتنا ويكرم تاريخنا، يجب أن يكون أولوية. يجب علينا أن نلتزم بحماية هذه الرموز الثقافية لضمان أن تبقى جزءا حيويا من تاريخنا، فاعتراف مؤسسة الإيسيسكو بمراكش كعاصمة للثقافة في العالم الإسلامي ليس محض صدفة، بل هو نتيجة تقدير عميق لمكانتها الثقافية والتاريخية الفريدة. مراكش، بتاريخها العريق ومعمارها المميز، تمثل رمزا للحضارة الإسلامية الغنية والمتنوعة. يتجلى هذا الاعتراف في كون المدينة مركزا للتبادل الثقافي والفكري، ومعلما حضاريا يحتفظ بتقاليده ويعزز من قيم التعايش والتسامح.