(كش بريس/مالكة العلوي من دمنات) ـ (فوتوغرافيا: محمد أمين بدوي وجواد اليمني) ـ اختتمت أمس الأحد بمنتجع تامونت نواحي مدينة دمنات، فعاليات الملتقى الثقافي الأول المنظم من قبل مؤسسة “كش بريس” الإعلامية بتنسيق وشراكة مع مؤسسة قصبة ايت اومغار السياحية والمجلس البلدي بدمنات (3 و 4 يوينو 2023)، حيث تم إصدار خلاصات الملتقى وتوصياته، من أهمها تأسيس هيئة تفكير ثقافية لتجسير التواصل والالتقاء بين مدينتي مراكش ودمنات، واستجلاء مشروع رؤية موحدة في وضع لبنة لتنظيم ملتقى فكري ثقافي سنوي متبادل. وترسيخ مفهوم التكامل الثقافي والحضاري بين مثقفي المدينتين، واستمرار تعزيز أسس هذا التكامل في مختلف المناحي الثقافية والاجتماعية والتربوية ..إلخ.
وكان الملتقى، الذي اتخذ كشعار له هذه الدورة التي حملت اسم “مراكش دمنات جسر حضاري”، قد انطلقت فعالياته يوم السبت 03 يونيو الجاري بفضاء قصبة ايت اومغار بدمنات، بمجموعة عروض ثقافية وتاريخية، شارك في تأطيرها كل من النقيب الأستاذ عمر أبو الزهور، والأستاذ المحامي والحقوقي خالد الفتاوي، والأستاذ نور الدين السبع رئيس بلدية دمنات، اتفقت جميعها على راهنية فكرة تجسير اللقاءات التاريخية والحضارية بين مدينتي مراكش ودمنات، على اعتبار امتداد هذه الروح التواصلية عبر حقب وأزمان، على الرغم من تبدلاتها وتلفعاتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
ودعا المحاضرون إلى إعادة تاسيس مفهوم التبادل الحضاري بين المدن المغربية ذات الأبعاد الحضارية والأنثروبولوجية الراسخة في أعماق التاريخ، معززين هذا المفهوم انطلاقا من محطات تاريخية مفصلية هامة، من دولة الموحدين أو قبلها، وإلى حدود السلاطين العلويين، خصوصا في عهد المولاي عبد الله والمولى يوسف والحسن الأول ومحمد الخامس.
وأوصى المتدخلون بتعميق رؤية وحدة المدينتين الحضاريتين بالعمل على استحضار ثقافتيهما في ملتقى ثقافي وفكري سنوي كبير ، يكون لبنة أساسية لمد الجسور وتطعيمها بروح الثقافة والتنمية وبناء الإنسان.
وتوقف الملتقى في إحدى أهم فقراته، عند تكريم بعض فعاليات المنطقة وعلاقة ذلك بمدينة مراكش، بدءا بتكريم النقيب الأستاذ عمر أبو الزهور ابن دمنات وصاحب القولة الشهيرة “في قلبي مدينتان: باريس الأنوار ودمنات النور”، والذي أبدع في استحضار نوسطالجيات علاقته بدمنات وشخوصها وأمكنتها وأحداثها التاريخية قبل الالتحاق بعاصمة النخيل وتجربته السياسية والحقوقية والقانونية بعد ذلك.
كما عبرت زيارة المشاركين في الملتقى، لمتحف دمنات الذي تشرف عليه جمعية مدرسي علوم الحياة والأرض، والذي قدم أطره عروضا حول أهميته المحلية والوطنية، ودوره في إعادة الاعتبار للذاكرة والتراث والتاريخ الوطني، متواشجين بين دوال التأسيس وأهدافه الاستراتيجية، إن على المستوى التربوي والبيداغوجي، أو الثقافي عامة.
وتم تكريم ابن فقيه دمنات التاريخي الشهير الحاج الفتاوي، الأستاذ المحامي والحقوقي وصاحب معلمة قصبة ايت اومغار خالد الفتاوي، في محطة رسم من خلال الكلمة التي ألقاها بالمناسبة، أدوار مدينة دمنات في النسيج الثقافي والتاريخي للمغرب، مستحضرا أيضا تنوع الديمغرافيا وتنوع روافدها، الإسلامية واليهودية والمسيحية، وانعكاس ذلك على تجربة المغرب في التسامح الديني والثقافي.
والتمس الفتاوي في الكلمة نفسها، من أبناء دمنات المنتشرين عبر العالم، الالتفاف حول فكرة إعادة الاعتبار للثقافة المحلية وتمكين المحيط الحضاري من توجيه البوصلة نحو التنمية ومستقبل الوطن.
كما تم بنفس المناسبة تكريم الخبير الموثق الأستاذ محمد بوشحى، العضو الاستشاري بمركز عناية بالمغرب والمستشار الخاص للمؤسسة الإعلامية “كش بريس”، وأحد أهم الفاعلين الثقافيين والاجتماعيين في منطقة سد بين الويدان بنفس الجهة، في لحظة تمازجت فيها روح العطاء والنبل بالانتماء للمرجعية الأمازيغية المغربية، وارتباطهما بالمدلول الهوياتي الجامع، الذي ينمي الإحساس بالذات الجماعية وتنمية روافدها.
وفي نفس السياق تم تكريم الفيلسوف والباحث في علم الاجتماع الأستاذ عبد الكبير الحيضوري، باني التعدد الثقافي بمدينة مراكش وأحد أهم الداعين إلى إعادة قراءة التاريخ وترسيخ مفاهيم التربية والقيم الوطنية قبل أي شيء آخر، كما هو الشأن بالنسبة لتكريم الأستاذ نور الدين السبع رئيس مجلس بلدية دمنات.
وفي وقفة أخلاقية عرفانية نبيلة، قامت تنسيقية الائتلاف الوطني من أجل اللغة العربية بمراكش، في شخص الأستاذة الكاتبة والباحثة فوزية رفيق، بتكريم رائد الإذاعة الوطنية وصوتها الكبير الأستاذ أحمد الريفي، في لحظة حملت أكثر من رمز وعلامة، على اعتبار قيمة الرجل التاريخية والفنية والإعلامية، وانتصارا للإبداع الخلاق والتواصل الإنساني، حيث أبرزت الأستاذة رفيق في كلمتها المقتضبة، سيرورة هذا الاعتراف والنبل، متمنية أن ينتصر الوطن والمثقفون في زمن الردة الأخلاقية والقيمية، للقدوات والنماذج المؤسسة.
هذا وألقى الدكتور امحمد مالكي شهادة في حق الأستاذ أحمد الريفي بالمناسبة، مستعرضا تاريخ علاقته بالمكرم، مؤكدا على أن الريفي يجسد طفرة إعلامية متميزة في تاريخية التأسيس الإعلامي المغربي. ودعا الدكتور مالكي إلى ضرورة إنماء خصيلة الالتفات لمؤسسي الفنون والثقافة بالمملكة، معتبرا الريفي واحدا من أيقوناتها الذين ينتمون للرعيل الباني والموطّن لهوة الثقافة الأصيلة.
كما أن اللحظة التفاعلية الصادقة، أخرجت من صدر الريفي أحاسيس كلمة ملؤها الصدق والوفاء المطبوعين بنبل الالتفاتة وقيمتها لديه، آملا أن يكون هذا الإحساس وجها من أوجه افتخارنا بتاريخ بلدنا وأدوار رجالاته في تجسير حمل المشعل وإضاءة الطريق للأجيال القادمة.
ولم تخل الأمسية البديعة من لحظة الإلقاءات الشعرية الباذخة، حيث صدحت حناجر كل من الشاعرة فوزية رفيق، والشاعرة مالكة العلوي، والشاعرة عائشة حسمي، والشاعر مصطفى غلمان، (صدحت) بما يجمل من بهاء ليل دمنات وهبوب رياحها الجبلية الخفيفة على قمة جبلها بايت اومغار، مكسرة بذلك محارش الزمن وعادياته، مبتهلة بسعاف المودة والعطف الرومانسية السامية.
جدير بالذكر، أن الملتقى شهد عروضا فنية متنوعة، استقت ينابيعها من خصيصات المنطقة وتنوع روافدها وتياراتها اللغوية والثقافية، من أمثال الفرق الفلكلورية كأحواش والدقة الدمناتية والبياضة والكنبري التقليدي وهواريات دمنات..إلخ، حيث امتدت سهرة الاختتام لساعة متأخرة من المساء، امتزجت فيها أحاسيس المشاركين بمحتويات ودلالات المنطوق الفني والوجداني للموسيقى والترديدات الجبلية الثاوية، ضاربين موعدا قادما لدورة ثانية للعام المقبل.