(كش بربس/خاص) ـ تمت يوم 15 يونيو 2023 مناقشة بالمعهد الوطني لعلوم الآثار والتراث لنيل شهادة الدكتوراه في علوم الآثار والتراث، شعبة الأنثروبولوجيا والتراث غير المادي، وتعتبر الدكتوراه الأولى التي يحصل عليها مغربي في تخصص الانثروبولوجيا من المعهد الوطني لعلوم الآثار والتراث..
وموضوع الأطروحة يتعلق بالتأويل الأنثروبولوجي للتراث، تقدم بها الباحث محمد فخرالدين تحت إشراف الدكتور مصطفى النحيلة، الموسم الجامعي 2022/2023 أمام لجنة مكونة من الدكتور مصطفى الحمداوي من جامعة ابن طفيل رئيسا ، والدكتور مصطفى النحيلة من المعهد الوطني لعلوم الآثار مشرفا ، والدكتور عبد الرحيم العطري من جامعة محمد الخامس، والدكتور محمد عبد ربي من جامعة الحسن الثاني، والدكتور محمد شادلي من المعهد الوطني لعلوم الآثار أعضاء..
في البداية أشاد الباحث بدور المعهد الوطني لعلوم الآثار والتراث في الاهتمام بالتراث المغربي بشكل عام بجميع أبعاده الأركيولوجية،الأنثروبولوجية والمتحفية، من خلال تشجيع تنظيم اللقاءت والقيام بالشراكات والمبادرات وتشجيع بحوث الدكتوراه ذات الصلة، ومنها موضوع البحث الإثنوغرافي والأنثروبولوجي في مكونات التراث والثقافة المغربية .
ومن جملة مظاهر هذا الاحتفاء الاهتمام بدراسة وتثمين التراث الشفهي ، وتنظيم لقاءات مستمرة مع الباحثين المتميزين في المجال والانفتاح على مختلف التجارب الدولية والوطنية.
ويشير الباحث أن هذه الأطروحة التي أنجزها بشعبة الأنثروبولوجيا والتراث غير المادي، تتموضع ضمن مجال أكبر هو المقاربة الأنثروبولوجية للتراث الثقافي غير المادي .
إن موضوع الأطروحة يختص بمكون من مكونات التراث المغربي غير المادي المهدد بالضياع ، التي كان له بنية وظيفية في الحياة الاجتماعية والثقافية حيث استعمله المغاربة للتسلية والتربية والتعبير عن مجتمعهم وتاريخهم .
وقد تضمنت الأطروحة ثلاثة أقسام :
القسم الأول اعتمد على دراسة ميدانية توسلت بالمنهج الإثنوغرافي الميداني ، وقد تبين من خلاله أن وضع التراث المغربي الراهن يستوجب تعميق البحث العلمي لبلورة خطة للإنقاذ هذا التراث الحكائي من الاندثار التدريجي .
أما القسم الثاني، فقد تمحور حول التأويل الأنثروبولوجي للتراث، وذلك من خلال البحث في فعل تداول التراث المغربي كنشاط اجتماعي له خصوصيته الاجتماعية والثقافية ، وعن المعنى الذي يعطيه الناس لتجربتهم الاجتماعية والثقافية من خلال هذه الموروثات، وذلك بالانطلاق من معطيات الأنثروبولوجيا التأويلية باعتماد مفهوم النشاط الاجتماعي عند ماكس ويبر، ومفهوم الثقافة والتوصيف الكثيف عند كليفور غيرتز .
أما في القسم الثالث من الأطروحة فقد كان الاهتمام بمسألة النشاط الرمزي في التراث المغربي ، وقد توسل فيه الباحث بمفهوم المتخيل لجلبير ديران في نظرية انثروبولوجيا المتخيل من أجل فهم أعمق لبنية هذا النشاط والصور والرموز التي تنبثق منه واستخراج بنيتها وطريقة انتظامها .
وهذه الأطروحة ترمي إلى إظهار أهمية هذه المرويات الشعبية وقيمتها الفنية والرمزية والتخييلية، واعتبار حملة هذا التراث كنوزا بشرية حية ينبغي العناية بهم وتكريمهم، وتوثيق ما تبقى في ذاكرتهم من كنوز وذخائر .
والكنوز البشرية الحية كما يقول الباحث هم الأشخاص أو الحرفيون المتوفرون على مستوى عال من المعارف والمهارات الضرورية لتأويل أو إعادة بناء العناصر الخاصة بالتراث الثقافي غير المادي.
وأشار الباحث إلى كون برنامج الكنوز البشرية الحية التابع لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم يهدف تشجيع الدول الأعضاء إلى الاعتراف رسميا بالأشخاص الحائزين على معرفة التقاليد والممارسات الإبداعية، وكذا ضمان انتقال هذه المعارف والمهارات إلى الأجيال الفتية، وضمان التطبيق الجيد لبنود اتفاقية 2003 لحماية التراث الثقافي غير المادي.
وأضاف الباحث القول بكون موضوع الأطروحة يحظى بأهمية خاصة على المستوى الوطني والدولي والأنثروبولجي ..
فعلى المستوى الوطني يتخذ التراث ومنه التراث الشفهي أهمية كبيره في عرف الدول المختلفة ، في تأكيد استقلالها وسيادتها وتقدمها ..
وقد تنبهت منظمة اليونسكو إلى ضرورة صون التراث الثقافي للشعوب بالمصادقة على الاتفاقية الدولية للتنوع الثقافي، ومن خلال اعتبار عدد من معالم التراث الوطنية تراثا عالميا متى تم الدفاع عن قيمتها الثقافية حسب المعايير المعمول بها دوليا …
ومن مكونات تراثنا اللامادي تلك التعبيرات التي عبر بها الشعب عن وجوده في هذه البلاد ، وهي ليست مهمة فقط كجزء من الماضي، ولكن بما توفره من إمكانيات الاستمرار والتوظيف في المستقبل …ولا يخفى دور هذا التراث في الإجابة على بعض أسئلة الهوية والتاريخ والوجود الاجتماعي ..
وقد اهتم المشرع المغربي بهذا الموضوع وجعله في صلب اهتماماته لما له من علاقة بالهوية الوطنية، فنجد الدستور المغربي في مواده الأولى يدعو إلى حفظ وصيانة هذا التراث بمختلف روافده وتعبيراته…
أما على المستوى الدولي فإن التراث اللامادي المغربي جزء من التراث العالمي وتعبيراته المتعددة مكون من مكونات الأشكال العالمية التي عرفتها الإنسانية وصاغت من خلالها هويتها الإنسانية، وهذه التعبيرات هي أيضا جزء من التراث الشفوي والرأسمال اللامادي التي دعت المنظمات الدولية إلى ضرورة حمايته والدفاع عنه وتوثيقه، نظرا لهشاشته أكثر من أنواع التراث الأخرى ذات الطابع المادي ..
ويتضح من خلال استراتيجية الأمم المتحدة لحماية التراث الثقافي غير المادي، أهمية هذا التراث في الحفاظ على الهوية والتنوع الثقافي للشعوب، ودوره في الحوار بين الثقافات والحضارات في ظل عولمة ثقافية زاحفة، قد تؤول إلى القضاء على تاريخ الشعوب وانتمائها الحضاري والثقافي .
لقد حاولت الأمم المتحدة جاهدة بمختلف هياكلها وهيئاتها الحفاظ على هذا الموروث الثقافي الهش، فنجحت في وضع منظومة متكاملة للحفاظ عليه تتضمن آليات فعالة للقيام بذلك، لكن تبقى إرادة الدول العامل الوحيد لنجاح هذه الجهود، ورغم ذلك لا بد من مقاربة نقدية للمفاهيم المستعملة من طرف المنظمات الدولية .
أما على المستوى الأنثروبولوجي فإن التراث – كما نتصوره – هو تراكم من الخبرات والتجارب الثقافية، زخم من النصوص التي تتلاقح وتتوالد لتعبر عن القضايا المتجددة والبنيات الذهنية الثابتة في الإبداع الإنساني، والتراث الشفوي بمختلف مكوناته هو إجابة عن سؤال أو أسئلة تطرحها ذات فردية أو جماعية حول وجودها وطبيعة هذا الوجود لذلك يختلط فيها التاريخ والأسطورة ومختلف المعطيات الثقافية والاجتماعية.
والتراث السردي هو ملتقى مجموعة من العوامل والعناصر المختلفة لتكون بنيات سردية و تخييلية تتحرك خلالها الصور والرموز التي لا تتجمد حركيتها إلا بتجمد التاريخ نفسه، وهذه الأشكال السردية متعددة، وتغطي مختلف المراحل الإنسانية، منذ أن أصبح الإنسان قادرا على التعبير عن الحوادث التي يعيشها والمحيط الذي يضمه….
وبعد مناقشة أطروحة الباحث وإبداء مختلف الملاحظات قررت اللجنة منح الباحث درجة الدكتوراه في علوم الآثار والتراث ش الأنثروبولوجيا بميزة مشرف جدا مع التنويه ..