حافظ المونديال القطري على العادة المقدسة والمحفورة في الأذهان، منذ العصور الوسطى في عالم كرة القدم، حيث تعتبر كأس العالم، بمثابة الحلم وفرصة العمر لأولئك الجواهر الخام وأصحاب المواهب الحقيقية، الذين يتحولون لاحقاً إلى أساطير وعظماء، بداية من الجوهرة بيليه في نسخة السويد 1958 مرورا بالفتى الذهبي الإنكليزي مايكل أوين في نسخة فرنسا 1998، نهاية بانفجار المدمر كيليان مبابي في النسخة الأخيرة، ومن حسن الحظ الكشافة ومدربي أندية الصفوة في أوروبا، أن هذه البطولة، كانت مليئة بمن يُطلق عليهم مشاريع أساطير ونجوم من الطراز العالمي في المستقبل غير البعيد.
جود بيلنغهام
واحد من أبرز الشباب الذين خطفوا أنظار عمالقة الدوريات الأوروبية الكبرى، المراهق الإنكليزي جود بيلنغهام، بعد انفجار موهبته مع الأسود الثلاثة في الأراضي القطرية، مقدما شهادة اعتماده، كنجم من نوعية «السوبر ستار»، في طريقه لسماء النجومية والشعبية الطاغية، تاركا بصمته وأرقامه في مشواره القصير مع المنتخب، تتحدث عنه، مثل التسجيل في مرمى إيران، ليصبح ثاني أصغر لاعب إنكليزي يتمكن من التسجيل في كأس العالم، والأصغر على الإطلاق، الذي يساهم في التسجيل في دور الـ16، دليلا على أن أرقامه الخارقة مع بوروسيا دورتموند، من نوعية، أصغر لاعب هداف في تاريخ أسود الفيستيفاليا بعمر 17 عاما وشهرين، وأصغر لاعب إنكليزي يبدأ مباراة في دوري الأبطال بعمر 17 عاما و113 يوما، وهذا الموسم لديه 4 أهداف في الكأس ذات الأذنين، وغيرها من الأرقام القياسية، ليست من قبيل الصدفة. ومن سوء حظه، أن منتخبه غادر البطولة من دور الثمانية، إثر خسارته أمام الوصيف منتخب فرنسا، لكن في كل الأحوال، هذا لا يمنع حقيقة، أنه استعرض موهبته ومؤهلاته داخل المستطيل الأخضر كما ينبغي، بجانب ظهور بوادر العقلية القيادية سواء داخل الملعب أو خارجة، كمؤشر أو دلالة على أننا أمام منافس محتمل لكيليان مبابي وإيرلينغ هالاند في المستقبل غير البعيد، ويظهر ذلك في القفزة المجنونة في سعره بعد المونديال، استنادا إلى المصادر التي تربط مستقبله بعملاقي الليغا ريال مدريد وبرشلونة وأثرياء البريميرليغ.
إنزو فيرنانديز
جوهرة أخرى خطفت أنظار المونديال القطري، هو اليافع الأرجنتيني إنزو فيرنانديز، الذي أثبت أن مئات الملايين، التي يجمعها نادي بنفيكا البرتغالي، لا تأتي من فراغ، وشاهدنا كيف نثر سحره وإبداعه في وسط التانغو، متقمصا دور نقطة الارتكاز، بالمواصفات القياسية للاعب رقم 8، وبالجودة اللاتينية، حيث القدرة على التحكم في الكرة والمرور السهل من المنافسين، مع ذكاء فطري في توقع وقراءة اللعبة، سواء في أدواره الهجومية، مقدما حلولا إضافية لميسي ودي ماريا ومارتينيز في الثلث الأخير من الملعب، أو في عملية الضغط العالي قبل أن تتخطى الكرة دائرة المنتصف، مفعما بطاقة وحيوية شباب الألفية الجديدة، بجانب الفترة التي قضاها مع فريق ريفر بليت، التي كانت كافية لصقل حرفته وموهبته، بهز شباك الخصوم في 8 مناسبات بالإضافة إلى 6 تمريرات حاسمة من مشاركته في 20 دقيقة، وعلى طريقة بيلنغهام، يتمتع بعقلية تفوق سنه، الذي لا يزيد على 21 ربيعا، كما وضح في رد فعله وثباته، بعد ركلة الجزاء التي أهدرها أمام هولندا، وذلك بانفجاره أمام كرواتيا في نصف النهائي ثم في نهائي الحلم أمام فرنسا، الذي خرج منه بالكأس وجائزة أفضل لاعب شاب في البطولة، وهذا يفسر، انقضاض بنفيكا عليه قبل ركلة المونديال.
غونسالو راموس
قبل ركلة بداية المونديال، بالكاد كان البعض يعرف اسم مهاجم بنفيكا غونسالو راموس، لظهوره اللافت مع الفريق في النصف الأول من الموسم، كواحد من أبرز المساهمين في حفاظ الفريق على صدارة الدوري المحلي، بجانب إزاحة يوفنتوس في دور المجموعات لدوري أبطال أوروبا، ومرافقة باريس سان جيرمان إلى مراحل خروج المغلوب، بتوقيعه على 9 أهداف بالإضافة إلى تمريرة حاسمة، لكن بعد ظهوره على الساحة، اكتسب لقب «خليفة رونالدو»، وفي رواية أخرى كابوس نهاية العمر لكريستيانو، وذلك بعد نجاحه في تسجيل ثلاثة أهداف (هاتريك) في أول مشاركة ضمن التشكيل الأساسي، في ليلة الاستقواء على سويسرا بسداسية مقابل هدف في دور الـ16، لكن شأنه شأن باقي المواهب التي غادرت البطولة مبكرا، إثر الخروج المفاجئ على يد الحصان الأسود للبطولة المنتخب المغربي في موقعة دور الثمانية، لكن هذا لم يمنع الصحافة البريطانية، لوضع اسمه في جمل مفيدة مع عمالقة البريميرليغ، في مقدمتها مانشستر يونايتد، حتى أن بعض المصادر، تزعم أنه كان يتصدر قائمة المطلوبين من قبل المدرب إيريك تين هاغ، في الميركاتو الصيفي الأخير، بيد أن الموافقة على بيع اللاتيني داروين نونيز لليفربول، حالت دون إتمام الصفقة، وبعد الاستغناء عن صاروخ ماديرا، الذي تزامن مع مولد خليفته في المونديال، تضاعف الحديث عن اهتمام الشياطين الحمر، مع احتمالات أن تتم الصفقة هذا الشتاء، أو الصيف المقبل على أقصى تقدير.
أسد أطلس
شملت قائمة الأفضل على مستوى الشباب، الشاب العشريني المغربي عز الدين أوناحي، الذي يرى البعض، أنه كان يستحق جائزة الأفضل، لتأثيره الكبير في حملة أسود أطلس التاريخية، وذلك بشهادة أفضل مدربي العالم، وعلى رأسهم مدرب المنتخب الإسباني لويس إنريكي، الذي ضرب أخماسا بأسداس، في إشادته بابن أكاديمية محمد السادس، متعجبا من طاقته وقدرته على ملء دائرة المنتصف، مقدما نسخة فاخرة للاعب رقم 8، جعلته الآن، محط أنظار العديد من أندية أوروبا الكبرى، حتى أن بعض المصادر الصحافية، تُشير إلى استعداد إدارة ناديه آنجيه، للموافقة على بيعه، لاستحالة مقاومة إغراءات ملايين اليوروهات المنتظرة من كبار وأثرياء الدوريات الأوروبية الكبرى. والمثير للإعجاب، أن قصة النجاح هذه، بدأت من تحت الصفر، هناك في أحد الأحياء البسيطة في مدينة الدار البيضاء، يعرف باسم حي «لالة مريم»، حيث بدأ الابن الأوسط للعائلة المتيمة بكرة القدم، في استكشاف موهبته في مسابقة «كأس دانون»، التي كانت بوابته للوصول إلى أكاديمية الرجاء، ومنها إلى أكاديمية «محمد السادس»، التي فتحت له أبواب الاحتراف في فرنسا عبر بوابة ستراسبورغ عام 2018، ورغم معاناته في هذه التجربة، إلا أنه لم يرفع الراية البيضاء، بعد صحوته مع نادي أفرانش الناشط في دوري القسم الثاني، الذي أعاده مرة أخرى إلى الأنظار، بتجربته الحالية مع آنجيه، وفي تلك الفترة، كان يلبي نداء الوطن، بتمثيل المنتخب بداية من فئة الشباب تحت 20 عاما مرورا إلى الفريق الأولمبي، نهاية بحصوله على أول استدعاء مع الكبار من قبل المدرب السابق وحيد خليلوزيتش أواخر العام الماضي، تمهيدا لضمه إلى القائمة المشاركة في بطولة أفريقيا، ثم بوصوله إلى مرحلة الانفجار الكروي تحت قيادة مواطنه وليد الركراكي في الحملة التاريخية، التي انتهت بحصول المغرب على المركز الرابع في البطولة.
قائمة الشرف
بإلقاء نظرة سريعة على قائمة الشرف لأفضل المواهب الشابة في المونديال، سنجد منهم المراهق الألماني جمال موسيالا. صحيح منتخبه المرشح الأبدي لرفع الكأس، ودع البطولة من الدور الأول للمرة الثانية على التوالي، إلا أن صاحب الـ19 عاما، كان حالة استثنائية في الناسيونال مانشافت، وأثبت ذلك بعد مشاركته كبديل أمام إسبانيا، ثم بصولاته وجولاته في المباراة الختامية أمام كوستاريكا، لكن من سوء طالعه، لم تنته مباراة اليابان ضد إسبانيا، بالنتيجة التي انتظرها الألمان لمرافقة «لاروخا» إلى الدور الثاني، ولو أنه بوجه عام، كانت فرصة جيدة لابن أكاديمية تشلسي، لاستعراض موهبته وإيصال رسائل مبكرة عن أهدافه وأحلامه في المستقبل، سواء مع ناديه بايرن ميونيخ، الذي سجل معه 15 هدفا هذا الموسم، أو منتخب بلاده في المدى المتوسط، وبالمثل، أبلى الشاب الإنكليزي بوكايو ساكا، بلاء حسنا مع الأسود الثلاثة، بعد تغلبه على أحزان ركلة الجزاء المهدرة أمام إيطاليا في نهائي «يورو 2020»، ولولا الخروج المبكر من دور الثمانية، لنافس إنزو وأوناحي على جائزة أفضل موهبة شابة، وعلى سيرة الأفضل، أثبت المدافع الكرواتي خوسكو غفارديول، أنه الاكتشاف الحقيقي على مستوى خط الدفاع، بشبه إجماع على أنه استحق لقب أفضل مدافع شاب في البطولة، وهو بعمر 20 عاما، وأيضا بعد المراوغة المهينة التي تعرض لها من قبل ميسي في لقطة الهدف الثالث في مباراة النصف النهائي، حتى أن أغلب المصادر، تشير إلى رغبة بيب غوارديولا في نقله من مصنع النجوم لايبزيغ إلى مانشستر سيتي، بأي ثمن.
(عن القدس العربي)