استطاعت راشيل كيك (48 عاما) التي عرفت خلال السنوات الماضية بقيادتها لإضراب تاريخي لعمال النظافة ضد سلسلة فنادق “إبيس”، أن تنتزع الأحد فوزا ثمينا خلال الانتخابات التشريعية الفرنسية، بعد فوزها على روكسانا ماراسيننو، مرشحة حزب الرئيس إيمانويل ماكرون، التي شغلت منصب وزيرة الرياضة سابقا، لتصبح أول عاملة نظافة تصل إلى قصر بوربون (الجمعية الوطنية). وظفرت كيك، التي ترشحت باسم “الاتحاد الشعبي البيئي والاجتماعي الجديد” الذي يتزعمه جان لوك ميلنشون بمقعدها في الدائرة الانتخابية السابعة، وهي منطقة “فال دو مارن” في ضواحي باريس.
الطموح ليس له حدود. هذه المقولة قد تنطبق على راشيل كيك (48 عاما) التي قررت اقتحام عالم السياسة بعدما عملت لسنوات عديدة كعاملة نظافة في عدة فنادق باريسية.
راشيل كيك، التي ولدت في ساحل العاج وعاشت فيه جل شبابها قبل أن تغادر إلى فرنسا، وافقت أن تكون ضمن المرشحات اللواتي يخضن غمار الانتخابات التشريعية في 12 و19ونيو باسم “الاتحاد الشعبي البيئي والاجتماعي الجديد” الذي يتزعمه جان لوك ميلنشون، والذي يضم عدة أحزاب من بينهم حزب “فرنسا الأبية” و“الحزب الاشتراكي” و“حزب الخضر” و“الحزب الشيوعي”، إضافة إلى جمعيات سياسية واجتماعية أخرى.
من فندق “إبيس” إلى أروقة البرلمان؟
وما يميز المرشحة كيك عن باقي المرشحين الآخرين، هو أنها تدخل عالم السياسة والانتخابات لأول مرة وهذا لم يمنعها من امتلاك شعبية وسط الفرنسيين منذ إعلان ترشحها وبروز اسمها على وسائل الإعلام الفرنسية. فكيك كما سبق وأن صرحت به، لم تكن تفكر ولو يوما واحدا أن تدخل المعترك السياسي بحثا منها أن تصبح ممثلة للفرنسيين وأن تدافع عن مصالحهم وحقوقهم في الجمعية الوطنية الفرنسية المقبلة في حال فازت بالانتخابات.
وظيفتها الأساسية لوقت ليس ببعيد كانت تنظيف غرف الفنادق الباريسية وبالتحديد غرف فندق “إبيس” التابع لمجمع “آكور” في الدائرة السابعة عشرة بباريس. ولدى هذه المرشحة سجل نقابي طويل، باعتبارها هي التي كانت وراء الاضراب التاريخي التي نظمته عاملات النظافة في فندق “إبيس” طيلة اثنين وعشرين شهرا (يوليو 2019 لغاية مايو 2020).
وهو أطول إضراب عرفه هذا القطاع في فرنسا. ومن بين المطالب التي رفعتها راشيل كيك وزميلاتها آنذاك، رفع الأجور وتقليص ساعات العمل فضلا عن منح العاملات حقوقا أخرى، كدفع نصف ثمن وجبات الغذاء وبطاقة المواصلات من قبل الشركة.
قبل أن تصل إلى فرنسا، لم تكن راشيل من تلك النساء اللواتي كن يردن سلك طريق النضال السياسي. بل كانت بالعكس شابة خجولة. لكن فقدانها لوالدتها، وهي في السن الثانية عشرة، جعلها تنظر إلى الحياة بشكل مختلف عن باقي الفتيات من نفس العمر. “أصبحت تشعر بالحزن كونها هي التي كانت تهتم بأخوتها الأربعة في ساحل العاج”، حسبما صرحت به شقيقتها تاتيانا للصحافة الفرنسية.
وبعد الانقلاب العسكري الذي شهده ساحل العاج في 1999، غادرت راشيل بلدها وجاءت إلى فرنسا وبالتحديد إلى باريس في الدائرة الثمانية عشرة. عملت في قطاعات عديدة في البداية (كبائعة في المراكز التجارية ومساعدة للمسنين إلخ…) ثم التحقت بقطاع الفنادق لتعمل كعاملة نظافة في فندق “إبيس” حيث كانت تقوم بتنظيف وتجهيز أكثر من أربعين غرفة كل يوم مقابل راتب لا يتعدى 1300 يورو شهريا.
” أريد الدفاع عن الذين لا نراهم والفقراء”
شعرت راشيل بأنها مستغلة من قبل الفندق. ما جعلها تنخرط في نقابة عمالية لتدافع عن مصالحها ومصالح الموظفات اللواتي كن يعملن معها. فخاضت غمار الانتخابات النقابية وفازت بمقعد في الكونفدرالية العامة للعمال. “أدركت فجأة بأنني أستطيع حماية الآخرين. خاصة تلك النساء المنظفات اللواتي لا يعرفن القراءة ولا الكتابة”. وكان أول إجراء قامت به بعد انتخابها كممثلة للعمال، تنظيم إضراب للمطالبة بتحسين وضع عاملات النظافة.
ولم تكن أيام الإضراب سهلة بالنسبة لها، بل تعرضت إلى السخرية وإلى العنف. لكن رغم ذلك، لم تنحنِ بل واصلت الإضراب برفقة زميلاتها وتلقت حتى زيارة بعض المسؤولين السياسيين أمثال مارلين شيابا.
وفي نهاية المطاف، انتصرت العزيمة وحققت عاملات النظافة في فندق “إبيس” أهدافهن. فعلى سبيل المثال بينما كانت راشيل كيك تتقاضى قبل الإضراب ألفا وثلاث مئة يورو (1300 يورو) أصبحت تتقاضى ألفا وسبع مئة يورو (1700 يورو).
كان ذلك بمثابة انتصار كبير لها. أما اليوم فهي تريد أن تناضل على مستوى أعلى. “أريد الدفاع عن الذين لا نراهم وعن البسطاء. أريد أن يرى الفرنسيون هؤلاء المخفيين، مثل عمال النظافة والبائعات والممرضات وعمال قطاع الأمن والمدرسين. كل هذه الوظائف المهمة بالنسبة للمجتمع”.
هذا، وتشير إحصائيات من الجمعية الوطنية الفرنسية أن 0,4 بالمئة من النواب كانوا عمالا عاديين في السابق و4 بالمئة فقط موظفين، في حين لا يوجد عدد كبير من النواب من أصول أفريقية.
ومن بين القضايا التي تريد الدفاع عنها راشيل، قضية التربية والتعليم لا سيما في الأحياء الشعبية والفقيرة. فهي تعتبر أن ابنها “كان من المفروض أن يكون مهندسا. لكن عدم تمكنه من القيام بتربص في شركة حال دون ذلك. اليوم يقوم بإيصال الوجبات الغذائية السريعة إلى الزبائن ويرفض العودة إلى مقاعد الدراسة”.
“لا أعرف كيف أمارس السياسة”
“ولم تأخذ راشيل قرار دخول المعترك السياسي بسهولة، بل فكرت كثيرا كونها تملك “نظرة سلبية إزاء عالم السياسة” كما قالت لجريدة “لاكروا” الفرنسية. فكانت تخشى أن يتم “توظيفها أو استغلالها من قبل أحزاب سياسية”.
لكن بعد مدة من التفكير، قررت في نهاية المطاف دخول الحلبة السياسية حيث ستواجه وزيرة الرياضة السابقة روكسانا ماراسنينو في الدائرة الانتخابية السابعة وهي “فال دو مارن” في الضاحية الباريسية.
ورغم العروض الكثيرة التي تلقتها من قبل أحزاب كثيرة، إلا أنها اختارت أن تنخرط مع “الاتحاد الشعبي البيئي والاجتماعي الجديد”، الذي يتزعمه ميلنشون. وقالت لفرانس أنفو: “عندما اقترحوا علي الفكرة، قلت لهم لا أعرف كيف أمارس السياسة ولا أستطيع حتى أن أفرق بين النائب المنتخب والمناوب”.
وكانت راشيل قادرة أن تترشح في دائرة انتخابية أقل سهولة مثل بلدة سان دوني، لكنها رفضت ذلك وقررت خوض غمار التشريعيات في المنطقة التي تعيش فيها. وهي منطقة فال دو مارن التي تضم عددا كبيرا من العائلات المسيحية والتي غالبا ما تصوت لصالح أحزاب اليمين.
لكن ربما تملك حظوظا كبيرة كون أن جان لوك ميلنشون تحصل على واحد وثلاثين بالمئة (31 بالمئة) من الأصوات خلال الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية في هذه المنطقة.
“لا أخشى من أي شيء. أعتقد أن منافسي سيهاجمونني لأنني أقول حقائق يرفض الآخرون الكشف عنها. لكنني أشعر كأنني جندية عادت من الحرب. عشت تجارب أصعب في حياتي ولا أخشى من أحد. ففي حال انتخبت فسأعمل مع فريق سيساعدني مثل باقي النواب الآخرين”.
فرانس 24/طاهر هاني