(كش بريس/خاص) ـ عرف الملتقى السينمائي لمؤسسة مهرجان السينما والتاريخ بمراكش في موضوع “التخييل في السينما والتاريخ”، إقبالا كثيفا، خلال يوم أمس السبت، ضمن فعاليات البرنامج الزاخر الذي شهدته فضاءات كلية اللغة العربية ومدينة الثقافات.
فصباح يوم السبت، تم تنظيم لقاء مفتوح (ماستر كلاس) مع المخرج السينمائي محمد عبد الرحمن التازي، بمدرج محمد الشرقاوي إقبال بكلية اللغة العربية، بتسيير الدكتور محمد اشويكة، تم خلاله عرض فيلمه التاريخي “جارات أبي موسى” المقتبس من رواية الوزير أحمد التوفيق.
واستظهر المخرج التازي عبر رصد لأهم لحظات إعداد وتصوير الفيلم، متحدثا عن مفارقاته وخصوصياته، وبعض من كواليس تصويره واختياراته الفنية والتقنية.
ولم يخف التازي قلقه من تراجع مستوى الإقبال على السينما، في ظل المتغيرات التكنولوجية الجديدة، وتداعيات أزمات العصر على أم الشاشات. داعيا إلى إعادة تأسيس حوار تربوي فني ينطلق من المدرسة والجامعة والأسرة.
وشهد اللقاء نقاشا غنيا، أعاد التازي لأيام زمان السينما المغربية، حيث البحث عن الهوية والتشبت بأصالة التاريخ وعراقته. وهو الأمر الذي أضاء جوانب معتمة من البحث المضني عن ملاذات هاربة، تسترفد نصوصا متجددة بروح العصر وقضاياه.
أما الندوة المسائية، والتي التأمت في موضوع “التخييل بين السينما والتاريخ”، وقام بإدارتها الدكتور محمد ايت لعميم، فتم تنظيمها بقاعة المؤتمرات بمدينة اللغات والثقافات، شارك في تأطيرها الأساتذة النقاد: عبد الجليل لبويري وبوبكر الحيحي وبوشتى المشروح ومحمد البوعيادي وحسن نرايس.
أفاضت هذه المأدبة العلمية النقدية الرصينة في الكشف والتمحيص عن علاقات التاريخ/الرواية بالتخييل والسينما، وعن مكامن ثورة سينما التخييل وعناصر قوة الأخيرة بفضل انتصارها للأبعاد التاريخية وآثارها في الوجدان الإبداعي والفني.
واستحضر المتدخلون، كل من زاوية مقاربته الخاصة، مواطن ابتعاث التاريخ في النص السينمائي، وحضور التخييل في هذا النص، وكيف يمكن للسينما أن تفرح بهذا التوارد الفريد والفاتن.
كما كانت للسينما المغربية، في نموذج تعاطيها مع النصوص التاريخية، حلقة نقاش جميل، أثارته بعض مداخلات الحاضرين المتابعين من أهل الصنعة والإبداع والأكاديما، خصوصا وأن مداخلة الناقد الأستاذ بوبكر الحيحي سارت في السياق، محلحلة بنية التأطير إياه من خلال قراءة مستنيرة لفيلم “جوقة العميان” للمخرج محمد مفتكر.
واستمر الاحتفاء بالسينما وأهلها، خلال نفس الأمسية، حيث اقتنصت لحظة اعتراف شاهق بأحد رواد الأندية السينمائية بالمغرب، الأستاذ بنسالم حبيبي، الذي لا يزال يدافع عن قوة المراهنة على الذاكرة السينمائية، وإبراز أهدافها ومراميها، خصوصا وأنها تولي اهتماما استراتيجيا بالتربية على السينما ومعرفتها منذ الأقسام الأولى للمدارس.
وأفرد بنسالم حبيبي، خلال لحظة انسجام بالجمهور المتتبع، مواجد وانطباعات ثاوية، سرد من خلالها أجمل لحظات العمر وعلاقته العاشقة بالسينما والأندية الثقافية السينمائية.
وفي هذا الإطار دعت الأستاذة ليلى بنسليمان رئيسة جمعية أصدقاء المدرسة العمومية، التي نسقت لحظة الاعتراف تلك، (دعت) إلى إعادة بناء الجسور بتاريخ الأندية السينمائية المدرسية، وقراءتها من زاوية التربية والمعرفة، مؤكدة على أهمية أن نبدع في تدوير عملية تحبيب هذا الورش لأبنائنا، من أجل تأمين الوصول إلى الهدف وإشماله بالمزيد من الطفرات.
وفي الأخير جرى توقيع آخر إصدارات الناقد السينمائي الدكتور بوشتى المشروح ““تاريخ السينما في المغرب: من أواخر القرن التاسع عشر إلى سنة 1912”، وهي دراسة تسعى، كما قال الكاتب، إلى الإسهام في التأريخ للفعل السينمائي بالمغرب، وإعادة كتابة تاريخ بدايات السينما بالمغرب، ومراجعة المسلمات اليقينية بعد إخضاعها للبحث الأكاديمي، وانطلاقا مما توفر لنا من معطيات ووثائق لم تعتمد عليها الدراسات السابقة. بالإضافة كذلك، إلى ترميم الذاكرة الوطنية والتاريخية في علاقتها بالسينما، علاوة على طرح تساؤلات تهم منعطفات كبرى في التاريخ العام للمغرب، الذي ظل يعتمد على المصادر الكلاسيكية المتبعة في الكتابة التاريخية، دون الإعتماد على الأفلام السينمائية التي وثقت للأحداث التاريخية الكبرى. مما يستدعي البحث عن تلك الأشرطة ووضعها رهن إشارة الباحثين.