(كش بريس/ وكالات) ـ النهايات لا تكون دائما مرتبة، فقد تأتي على عجل بدون سابق إشعار. قد ينطبق هذا الأمر على رئيس الاتحاد الفرنسي لكرة القدم نويل لوغريت، وإن كان يبدو أنه السباق لنزع أول حجرة في صرح تجربته الكروية، لتبدأ في التهاوي شيئا شيئا منذ الأحد قبل أن يعلن الأربعاء عن تعليق مهامه على رأس هذه المؤسسة العريقة.
لقد تحول لوغريت في الفترة الأخيرة إلى مادة أساسية في الأخبار الفرنسية وحتى الدولية عندما أساء لاسم له رمزيته الخاصة في المشهد الرياضي الفرنسي عموما وليس الكروي فقط. إنه زيدان بطل العالم في 1998 والأيقونة الوطنية. وجاء ذلك عندما رد عن سؤال حول مستقبل عميد الزرق السابق بالقول: “أنا لا أبالي، يمكنه الذهاب إلى أي مكان يريد”.
وكانت وزيرة الرياضة إميلي أوديا كاستيرا التي عبرت بوضوح عن رغبتها في رحيل لوغريت عن موقع المسؤولية، استهجنت في تغريدة “عدم احترام مخجل، صدمنا جميعا، لأسطورة في الرياضة”، معتبرة أن “رئيس أول فيدرالية رياضية في فرنسا لا يجب أن يتفوه بهكذا الكلام”.
لقد وقع الفأس في الرأس، ولم تنفع لوغريت مع توالي التنديدات والانتقادات تقديم الاعتذار. “ولّدت هذه التصريحات غير اللائقة سوء فهم، أود أن أقدم اعتذاري الشخصي عن هذه التصريحات التي لا تعكس إطلاقا أفكاري ولا تقديري للاعب الذي كان عليه والمدرب الذي أصبح”. لكن هذا الاعتذار لم يوقف موجة الاستياء ضده.
اتهامات جنسية
وهذه التصريحات السيئة لرئيس الاتحاد الفرنسي لكرة القدم، تلتها اتهامات وكيلة الأعمال سونيا سويد الثلاثاء للوغريت، “بسلوك جنسي غير لائق”. وتحدثت سويد عن لقاء جمعها معه، كان بغرض العمل على الترويج لكرة القدم النسائية، لكنه حاول استغلاله لصالح أهداف أخرى: “أخبرني وجها لوجه، في شقته، بوضوح شديد، أنه إذا كنت أريده أن يساعدني، يجب الخضوع لاختبار مزعج”.
وأوضحت وكيلة الأعمال أنها شعرت بأنه “في كل مرة، الشيء الوحيد الذي يثير اهتمامه، وأنا أعتذر عن التحدث بطريقة مبتذلة، هو ثديي ومؤخرتي”. وهذه الشهادة نالت الترحيب من وزيرة الرياضة أميلي أوديا كاستيرا، حيث هنأت على تويتر “سونيا سويد على شجاعة شهادتها”.
وفي تحقيق سابق لها، كشفت مجلة “سو فوت” الرياضية عن سلوكات غير لائقة من قبل لوغريت، ولا سيما الرسائل النصية ذات الطبيعة الجنسية، رغم دحضه لذلك. وتعتبر اتهامات سويد أول شهادة مباشرة ضده من امرأة منخرطة بشكل رسمي في عالم كرة القدم المحترفة، فيما كشفت إذاعة “فرانس إنتر” أن “سيدات عديدات” قد استنكرن لبعثة التدقيق “سلوك نويل لوغريت تجاههن”.
“الوحش السياسي”
ولد لوغريت في إقليم “كوت دارمو” بمنطقة بروتان بشمال غرب فرنسا وسط أسرة فقيرة. ويتربع على “عرش” الكرة الفرنسية منذ 2011. تعتبر ولايته الحالية هي الرابعة ومن المفترض أن تنتهي في 2024.
صنع لوغريت اسمه وطنيا انطلاقا من مدينة غانغان بنفس المنطقة المولود فيها، حيث دفع بفريقها المحلي من الهواة إلى المنافسة على كأس أوروبا. وترأس بلدية هذه المدينة من 1995 حتى 2008. كما ترأس بين 1991 و2000 عصبة المحترفين لكرة القدم الفرنسية التي تدير بطولة القسم الثاني.
يصفونه مقربون منه بـ”الوحش السياسي” الذي تمرس ميدانيا في صفوف الحزب الاشتراكي. ويقال عنه إنه كان يعرف دائما المعابر التي تؤدي لربط علاقات قوية مع الإليزيه. فعلاقته كانت، حسب مراقبين، دائما قوية مع قصر الرئاسة الفرنسية سواء في فترة فرانسوا هولاند أو خلال مرحلة الرئيس الحالي إيمانويل ماكرون.
كانت له تصريحات في السابق سببت له مشاكل عدة أيضا. خاصة منها تلك التي قال فيها إنه “ليس هناك عنصرية أو توجد بقدر قليل” في كرة القدم. ثم انزلاقاته التعبيرية التي مست لاعبات كرة القدم، بعد أن صرح: “يمكنهن نتف شعرهن” طالما أنهن يفزن.
أحد مهندسي النجمة الثانية
لكن لوغريت يبقى أحد كبار مهندسي حصول فرنسا على النجمة الثانية في مونديال 2018 جنبا إلى جنب مع المدرب ديدييه ديشان. كما حازت كرة القدم للسيدات زخما مهما خلال فترته الرئاسية، ونظمت فرنسا خلال ولايته، تحديدا في 2019، نهائيات كأس العالم للسيدات.
وخلال ترأسه للاتحاد، أصبحت هذه المؤسسة تملك ثروة مهمة، لا سيما بعد كسبها حقوق التسويق المرتبطة بالديوك، وهي بمثابة الدجاجة التي تلد ذهبا. ويملك لوغريت شركة تعمل في الصناعة الغذائية، وتشغل مئات العمال متخصصة في صيد الأسماك، والأطعمة المعلبة والمجمدة.
ونظرا لعمره الذي تجاوز العقد الثامن، طالب البعض برحيله بسبب ذلك، وكان رده على هؤلاء عبر مقابلة لصحيفة لوموند: “العمر ليس له أهمية. أعرف أشخاصا غير أكفاء في الخمسين من العمر”.
تزايد الأصوات المطالبة برحيله
ويبدو أن “ملك” اتحاد كرة القدم الفرنسية أصبح منبوذا من قبل الجميع، ويوجد الآن على مرمى من ساعة الرحيل النهائي بعد تعليق مهامه. فالاجتماع الذي عقدته اللجنة التنفيذية حدد مصيره بوضوح، ووضع اللبنة الأولى في إنهاء مسيرته ما يسمح بترتيب البيت الداخلي من جديد للاتحاد.
وتزايدت الأصوات المطالبة برحيله يوما بعد يوم. فبعد وزيرة الرياضة، انضم بدوره رئيس لجنة القيم بالاتحاد باتريك أنطون الثلاثاء للمنادين باستقالته، معتبرا أن “لوغريت أدلى بتصريحات تظهر أنه فقد بعضا من كياسته. يبدو مجهدا ويحتاج إلى راحة”. وأعرب أنطون عن حاجة الاتحاد “إلى قيادة قوية وهادئة”، مضيفا: “لا يسعنا إلا أن نطلب منه التنحي لما فيه مصلحة كرة القدم”.
وكان مبابي أول المبادرين من اللاعبين بالتنديد بتصريحات لوغريت تجاه زيدان. والتحق به العديد من اللاعبين الآخرين بينهم بطل العالم 1998 إلى جانب “زيزو” فرانك لوبوف الذي لخص موقفه بالقول: “عندما ينقصنا قدر من الدبلوماسية في منصب سياسي لحد ما، بمعنى أنه لم تعد لنا الكفاءة للبقاء فيه”.
(بوعلام غبشي/ أ ف ب)