كتب علال بنور/مبعوث كش بريس إلى واحة تيوت
في رحلة استكشافية، انطلقنا من مدينة تارودانت عبر طريق أغرم/ طاطا الى واحة تيوت التي تبعد عن المدينة ب 30 كلمترا، اتجهنا يمينا في طريق وسط غابة أركان، يبدو أنها لم تعرف التجديد، دخلنا إلى دوار ومنه إلى الواحة التي تتموقع كواجهة للسياحة الثقافية والايكولوجية. وهي تابعة إداريا لإقليم تارودانت. إلتقينا صدفة بالسيد محمد أبو عنان يبلغ من العمر 72 سنة، كان يشتغل مرشدا سياحيا تابعا لنادي البحر البيض المتوسط، رافقنا طيلة الرحلة بالواحة ففتح لنا أبوابا من الماضي التاريخي.
أول سؤال تبادر إلى ذهني، طرحته توا عليه، ماذا تعني تيوت اصطلاحا؟.
أجاب : معناها حدبة الجمل، على اعتبار أن الواحة تحيط بها تلال من ثلاث جهات ، ومنها جاء الاسم بالأمازيغية “تيوت” مسترسلا أن الواحة تتكون من 7 دواوير تحيط بها ، يسكنها تقريبا 3000 نسمة ، كانت الواحة تمثل مركزا للسلطة المخزنية منذ العهد المرابطي والموحدي والسعدي ، كما كانت تعتبر تاريخيا بابا من أبواب الصحراء . ومن المؤرخين من يعتبر أن تيوت كانت مركزا للسلطة.
ويؤكد المختار السوسي أن سكان تيوت وجدوا عند القصبة قطعة نقدية ذهبية باسم عبد المومن الموحدي ، وفي السياق ذاته، أكد لنا مرافقنا أن الواحة كانت مقصدا للتجار من الصويرة ومراكش وفاس والنيجر، حيث كانت مشهورة بإنتاج وصناعة السكر والنسيج الصوفي، كما كانت مستقرا لليهود . وغالب الظن أن هذه الدول السالفة الذكر قد مرت من الواحة، لذلك تحظى بقدسية لافتة، يرى فيها السكان إرثا جليلا للأجداد.
المعالم التاريخية والعلمية:
وجود قصبة، كان اسمها قديما “اكادير ابلان” تعلو تلا يطل على المجال الواحي، كانت مستقرا للسلطة المخزنية، حسب مرافقنا بناها السعديون، تضم العديد من الغرف للسكن ومخزن وقاعة للحكم وسجن، غير أن جزءا منها رمم في السنوات الأخيرة، فحول إلى مقهى ومطعم عصري، كما يوجد في أول دوار صادفناه قريبا من القصبة مسجدا من بناء السعديين، ومن داخل الواحة يوجد في “دوار انمر” فرع الزاوية التجانية، خصص جناح منها لطلاب حفظ القران الكريم وبجانبها توجد مدرسة للتعليم العتيق تسمى ب”الجشتمية”، في قلبها مسجد للصلاة.
تعتبر رواحة تيوت، مركزا لعب دورا هاما في السياسة والتجارة منذ العهد المرابطي والموحدي والسعدي، كما اعتبرت محطة للقوافل التجارية ، كان يقصدها التجار من الصويرة ومراكش وفاس والنيجر، كما عرفت تعايشا بين المغاربة المسلمين واليهود، لا يعرف عددهم، إذ كانوا يستقرون بالملاح ، فارتكز نشاطهم على الحرف النظيفة والتجارة ، كما مارسوها في باقي مناطق المغر.
ومن المعالم التاريخية كذلك ، قادنا مرافقنا من داخل الواحة إلى المطاحن / الرحى التقليدية المتواجدة بقلب الواحة، كان عددها 10 مطاحن توقفت عن النشاط ، ولم يتبقى منها سوى واحدة ، ورثها السيد مولاي محمد حسنين، من مواليد 1936 يبلغ من العمر 86 سنة.
حسنين رجل نشيط في صحة جيدة، تغلب عليه اللكنة الامازيغية ، التقيناه في ملكيته التي رممها بماله الخاص ، ولم يتلقى أي دعم مالي، لها مدخل وسياج من الأشجار والنباتات، و بها حديقة لاستراحة الزوار ومطعم وغرف للنوم غير مرخص لنشاطها، كما توجد بها مطحنة / الرحى تقليدية ، تدعى باللغة الامازيغية ( ازركان نوامان)، وهي منحوتة من الحجر الصلب، التي ورثها عن أبيه، لها امتداد عن الأجداد، يعيش السيد حسنين القلق اليومي، حيث إن المسؤولون يرفضون منحه رخصة فتح مطعمه المتواجد بقرب المطحنة، خاصة أن فضاءه والإمكانيات المتوفرة فيه تجلب السياح، بالإضافة إلى أن مؤهلاتها يمكن أن تعمل على تشغيل الشباب العاطل في تيوت.
تشتغل الرحى بالتيار المائي الممتد لها من الساقية، لطحن الحبوب بكمية قليلة، لأن السكان يفضلون المطاحن العصرية الموجودة في الدواوير، غير أن رحى السيد حسنين، أحيانا تتعطل عندما يضعف التيار المائي. ومن المآثر التاريخية توجد صهاريج لجمع الماء لعملية السقي، قال مرشدنا إن الصهاريج بنيت 1937 بالفأس واليد العاملة، وهي اليوم مهيأة بشكل عصري لتجميع مياه السقي، وأثناء تواجدنا، وجدناها فارغة من الماء في إطار عملية التهيئة، وبقربها أشغال البناء لبناء إدرة للجماعة القروية.
أما على مستوى التعليم، فعرفت تيوت التعليم العتيق قديما، كان يفد عليها الطلبة من داخل الواحة ومن الدواوير المجاورة لها، تخرج من مدرستها العتيقة العديد من الأطر الدينية، أكد لنا مرافقنا، أن أبناء محمد الشيخ السعدي تلقنوا التعليم بالمدرسة العتيقة، ومن علمائها أحمد الجشتمي دفين تيوت، يضم “دوار انمر” المدرسة العتيقة وفرع الزاوية التيجانية. تحدث عن هذه الأسرة العلامة المؤرخ المختار السوسي في مؤلفيه سوس العالمة وكتاب المعسول.
المؤهلات الطبيعية والفلاحية:
تمتد تيوت على مساحة 1000 هكتار منها 450 هكتارا تخضع لعملية السقي، تتوفر على ثروة مائية القادمة من العيون النابعة من الفرشة المائية المحلية، وتمتد إلى الحقول عبر سواقي جزء منها مبني بالإسمنت، ويحيط بالواحة من ثلاث جهات تلال ، مع وفرة العديد من أشجار النخيل وأشجار الخروب والرمان، كما تنتج الملكيات عشب الفصة لتسمين الماشية، مع كل أنواع الحبوب والقطاني المعيشية، كما توجد تعاونيات نسائية، منها تعاونية لإنتاج زيت اركان للتجميل والصابون، من تمويل “البير” امير موناكو، كما تتوفر الواحة على تربية الماشية ، في أغلبيتها هي من أصناف الماعز والاغنام والقليل من الابقار، يشرف على توزيع الماء بين الفلاحين عبر السواقي جمعية، ويصل ثمن الساعة للسقي 65 درهما ، يصرف منها أجورا للمراقبين عن عملية التوزيع التي تدعى” التويزة” وثمن الكهرباء لدخ الماء .
السكان والأنشطة الاقتصادية والسياحية:
يقول مرافقنا إن عدد الدواوير7 تحيط بالواحة وهي القصبة + ازور +انمر +اكودين + تكاديرت ت تندوش + تكادير ن دوؤسارو + تغبوشت. ويقدر عدد سكان الواحة ب 3000 نسمة، وبالرغم من أهمية الواحة ثقافيا وايكولوجيا لم يكلف المسؤولون على الشأن المحلي أنفسهم عناء لتشوير الطريق ووضع علامات لتحديد الاتجاه اليها . ومن المنتوجات التي تستوردها شركة من مدينة الدار البيضاء منتوج الخروب الذي ازداد عليه الطلب مؤخرا، حيث يتم إنتاج وتدوير بعض مشتقاتهليتم تصديرها بعد ذلك إلى الخارج، وهناك أنشطة اقتصادية، تعتمد بالأساس على الفلاحة ، أهمها الحبوب والقطاني وتربية الماعز والاغنام وقليل من الابقار، ومن المغروسات أشجار النخيل والرمان وشجرة الخروب، الذي ارتفع ثمن منتوجه، نظرا لإقبال الأجانب على شرائه، لاستخراج منتوجات تصدر إلى الخارج .
مرافقنا السيد محمد أبو عنان، صرح لنا أن الواحة تستقبل السياح المغاربة والأجانب من ألمانيا وفرنسا. كما أكد لنا أن بعض سكان الواحة يعتمدون في جزء من معيشتهم على ما يذره السياح خاصة الأجانب، ومع تجوالنا صادفنا العديد من الحمير مجهزة للركوب لنقل السياح في جولات عبر الواحة ، وبعض مرتفعاتها والتجوال عبر البساتين والسواقي، أضاف أبو عنان أن تشغيل الحمير للسياح يتم من طرف الأطفال ، ما يسهم بشكل كبير في ارتفاع منسوب الهدر المدرسي في المنطقة. كما شكلت الواحة بسحر طبيعتها إغراء للمخرجين السينمائيين، حيث سجلت مشاهد من فيلم علي بابا سنة 1953، إضافة الى الأيام الشميسة الطويلة والطقس الحار، وجود أشجار النخيل والرمان والخروب، ما زاد في جمالية وإبهار الواحة.
وخلال تواجدنا بوسط الواحة، صادفنا عمالا تابعين للجماعة يقومون بتجذيب سعف النخيل، وآخرون تابعين لشركة، يقومون بترصيص الممرات الخاصة بالمرور بين البساتين داخل الواحة، بصفائح صخور “الاردواز” يتبثونها في أرضية معبدة لذلك.
في الختام، إن واحة تيوت، مجال ساحر بمعالمه التاريخية وطقسه الجميل وطبيعته الجغرافية المغرية لكل زائر يتمنى زيارتها مرات، وسكانها الطيبون الذين لا تفارق الابتسامة محياهم ..، يستقبلك صاحب مقهى تقليدي من داخل الواحة بترحاب وكرم، ويدعوك لتناول كاس شاي أو فنجان قهوة بلدية .. تحت ملاذ شجرة حانية مهفهفة الأوراق .. منتهى الروعة.