نظمت وزارة العدل بشراكة مع هيئة الأمم المتحدة للمساواة بين الجنسين بالمغرب يومه الخميس 27 أكتوبر 2022، بفندق ماريوت بالرباط وعبر التناظر المرئي، ندوة وطنية في موضوع ” المساواة والعدل في الأسرة المغربية”، حضرها وشارك فيها كل من السيد الرئيس الأول لمحكمة النقض، الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية و السيد الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض، رئيس النيابة العامة، والسيد الأمين العام للمجلس العلمي، والسيد رئيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي ، والسيدة ممثلة هيئة الأمم المتحدة للمساواة بين الجنسين بالمغرب.
وافتتح السيد الوزير أشغال هذا المحفل العلمي الهام للندوة الوطنية بالترحيب بالحضور والمشاركين، مؤكدا على ضرورة المساهمة في تحقيق المشروع المولوي لوضع الأسرة والمرأة في صلب مختلف مجالات التنمية وتثمين الدور المحوري للمرأة وتمكينها من حقوقها القانونية والشرعية.
كما أبرز السيد الوزير على أن هذا الملتقى الهام يأتي في سياق الاستراتيجية الحكومية لتحيين الآليات والتشريعات الوطنية للنهوض بوضعية المرأة وتمكينها من حقوقها القانونية والشرعية مع مراعاة المصلحة الفضلى للطفل وحماية حقوقه، مستعرضا نص الخطاب الملكي الذي وجهه صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله إلى الأمة بمناسبة الذكرى الثالثة والعشرون لعيد العرش بتاريخ 30 يوليوز 2022، والداعي إلى ضرورة تجاوز الاختلالات والسلبيات، التي أبانت عنها تجربة تطبيق مقتضيات مدونة الأسرة منذ اعتمادها، ومراجعة بعض البنود التي تم الانحراف بها عن أهدافها، عند الاقتضاء، وفق مقاربة تشاورية وتشاركية مع جميع المؤسسات والفعاليات المعنية.
وأكد السيد الوزير على أن وزارة العدل تتبنى سياسة الانفتاح في توطيد أواصر التضامن والتعاون وتجاذب النقاش المشترك والأفكار والرؤى المختلفة والخبرات والتصورات البناءة لكل الفاعلين والمتدخلين وكذا تقاسم التجارب التي راكمتها وزارة العدل في موضوع يحظى بالعناية المولوية ومصيري يهم كيان الأسرة، وهو ما جعل التركيز على آلية التشريع لتوفير ترسانة قانونية ناظمة لمجال حماية الأسرة والطفل، وسن قوانين واضحة في المادة الأسرية، بدء بمدونة الأسرة لسنة 2004، كما تعززت هذه الحماية بمشروع إصلاح القضاء، ووضع أقسام لقضاء الأسرة، وتكوين القضاة، ومأسسة عمل المساعدات الاجتماعيات والمساعدين الاجتماعيين على مستوى أقسام قضاء الأسرة بمختلف محاكم المملكة، بالإضافة إلى إصلاح قانون الجنسية وقانون الحالة المدنية، وتفعيل صندوق التكافل العائلي الذي يوفر خدمات لفائدة المرأة والطفل.
كما أضاف السيد الوزير على أنه بالرغم من الإصلاحات التشريعية والمؤسساتية التي عرفتها بلادنا منذ بداية الألفية، وصدور مدونة الأسرة سنة 2004 التي تعتبر مكسبا وطنيا حقيقيا لما حملته من مكتسبات مهمة في سبيل تقوية موقع الأسرة المغربية وتعزيز حقوق المرأة والطفل، فإن تطبيقها على أرض الواقع طيلة الثمانية عشرة (18) سنة، كمؤشر زمني، أبرز الحاجة الملحة لإعادة قراءة نصوصها لمعالجة الاختلالات والإكراهات التي كشف عنها الواقع العملي، وفتح نقاش عمومي بشأن مقتضياتها، مما يستدعي مراجعة مقتضياتها في إطار الملاءمة مع التحولات والإصلاحات التي تعرفها بلادنا منذ إقرار دستور سنة 2011 على عدة مستويات ، ومع الاتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب وفاء بالتزاماته، والتفكير بالموازاة في تأطير الوساطة الأسرية بشكل شمولي ومندمج.
واختتم السيد الوزير مداخلته بضرورة التفكير في إيجاد أفضل السبل لإقرار منظومة متكاملة للقضاء الأسري المغربي وفق مبادرة تشاركية جادة وإرادة صادقة بين مختلف المكونات.
وأعرب السيد الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية محمد النباوي في كلمته للجهتين المنظمتين وزارة العدل وهيئة الأمم المتحدة للمساواة بين الجنسين عن خالص الامتنان على هذه المبادرة التي ارتبط فيها تنظيم هذا اللقاء العلمي، مع مناسبة هامة تحمل دلالات مفعمة بالعناية المولوية السامية للأسرة؛ تتجسد في خطاب مولانا أمير المؤمنين، أدام الله نصره، الموجه للأمة بتاريخ 30 يوليو 2022 بمناسبة الذكرى الثالثة والعشرين لعيد العرش المجيد، و وأبان أن تنظيم ندوة وطنية في هذا الموضوع، وفي إطار التفاعل مع موجبات تنزيل كل المبادئ الدستورية، والانفتاح على المنظومة الحقوقية الدولية، وفي سياق العزم على اتخاذ مبادرات تشريعية تروم ملاءمة قوانيننا الوطنية مع هذه المنظومة، بعد مرور قرابة العقدين على تطبيق مدونة الأسرة، بات من الضروري لتقييم نجاعة أحكام المدونة في حماية الأسرة من جهة، ومدى ملاءمتها لمبادئ المساواة والمناصفة التي نص عليها دستور 2011 من جهة أخرى. مما يجعل مراجعتها حلقة أساسية في دعم صلابة الأسرة المغربية.
ومن جانبه أفصح السيد الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض رئيس النيابة العامة مولاي الحسن الداكي أن رئاسة النيابة العامة تنخرط في إنجاح هذا اللقاء، وفي جميع المبادرات الرامية إلى الرقي بوضعية الأسرة عموما، وذلك من منطلق تحمل المسؤولية التاريخية الملقاة على عاتق النيابة العامة، والذي عززته مدونة الأسرة بجعلها من خلال المادة الثالثة طرفا أصليا في قضايا الأسرة.
كما أوضح السيد مولاي الحسن الداكي أن الدستور أولى مكانة بارزة للأسرة باعتبارها الخلية الأساسية للمجتمع، واعتبر أن الدولة تسعى إلى ضمان الحماية الحقوقية والاجتماعية والاقتصادية لها، بما يضمن وحدتها واستقرارها والمحافظة عليها. وباستحضار الاتفاقيات الدولية، والمستجدات الدستورية، وحتمية الملاءمة مع الاتفاقيات المصادق عليها من طرف المملكة باستلهام مبادئها المرجعية ومقتضياتها الكونية، هذا سيترجم قدرة بلادنا على تطوير قانون الأسرة بشكل هادئ، وجرأة مسؤولة، والتزام مستمر، في ظل الثوابت الأساسية التي تجعل من الخلية الأسرية أساسا لبناء مجتمع متوازن، قادر على كسب رهان التنمية الذي ننشده جميعا.