1 ـ حول مؤلفكم الجديد ” حماية عبود التجارة الإلكترونية : بين القانون المغربي والقانون المقارن”
*تفرز استمرارية التطور التكنولوجي مستجدات تقنية لم تكن في الحسبان، من بينها الحاسب الآلي ومدى ارتباطه بولادة الشبكة الإلكترونية للمعلومات التي بفضلها أصبح العالم قرية صغيرة بواسطة الاستخدام الواسع للحاسوب والتقنيات المتعلقة به.
فكان لهذا انعكاس على المجال التجاري والمالي والاقتصادي، نتج عنه نزاعات تظهر بسبب المعاملات المتكررة والمختلفة للأفراد ورغبة كل طرف في حماية مصالحه، فيكون الاحتكام إلى القانون السبيل والملاذ لكل من يعتبر نفسه متضررا.
أدى التطور التكنولوجي الى إنشاء بيئة افتراضية تضاهي الواقع الملموس في شتى الميادين، وأصبحت قادرة على استيعاب جل الأنشطة التي تمارس عن بعد، فاستخدام الانترنيت في جميع المجالات حقق مزايا كثيرة لمختلف المؤسسات التجارية سواء بينها وبين عملائها أو بينها وبين الأشخاص غير المعروفين لديها، حيث تقدم الخدمات في كل وقت وحين مما كسر ارتباط الوقت بالعمل الرسمي وأيضا لم يعد لعنصر المكان الاعتبار الذي كان له سابقا.خلف ظهور الانترنيت عدة مشاكل على مستوى التجارة والمال والاقتصاد بشكل عام، فأعداء التكنولوجيا ما فتئوا يشكلون تهديدا حقيقيا لمستقبل التجارة الالكترونية وطنيا وعالميا باستعمال كل أساليب الإجرام المعلوماتي من نصب وسرقات وتزوير، ساهمت بعمق في زعزعة الثقة والأمان التجاري، بحيث تكون السرعة في إنجاز المعاملات التجارية ساعدت في تأجيج هذا الوضع بشكل أو بآخر.
وأمام هذا الوضع تولدت الرغبة في توفير الآليات القانونية والتقنية لحماية هذا الإبداع التكنولوجي حتى يطمئن إليه الأفراد والمجتمع بجميع مكوناته وحماية المصالح التي ظل الجميع يدافع عنها.
2 ـ أهم عناصره ( الإشكاليات المطروحة)
*إن الحماية القانونية للتجارة الإلكترونية بصفة عامة والعقود التجارية بصفة خاصة يكون هدفها استمرار استخدام كل تقدم بالطريقة التي خلق من أجلها، فغاية استعمال الحاسوب والاتصال عن بعد هو تقوية المعاملات التجارية وإنجازها في أقصى سرعة ممكنة وتقليص التكاليف، فلم يعد الانتقال إلى اقتناء السلعة ضروريا كما كان عليه من قبل.
عرفت المملكة المغربية استخدام الشبكة المعلوماتية بشكل موسع في أواخر التسعينات من الألفية السابقة، حيث كثرت آنذاك السيبيرهات Cyber net وتزايد الإقبال عليها، فأصبحت المعاملات التجارية وغيرها تتم من خلال هذه النواة، فساهم ذلك في تزايد نسبة الجرائم من اختراق للمواقع الإلكترونية وتدميرها بزرع الفيروسات القوية كحصان طروادة Cheval de Troie، تلك الفيروسات التي تشبه إلى حد ما بالفيروسات التي تصيب الإنسان، والتي تختلف من حيث تطورها، منها من يظهر لأول وهلة ويمكن محاربته بمضاد anti virus، ومنها من لا ترى اذ تمكث مدة طويلة بالحاسوب قد تستغرق أكثر من ثلاثة أشهر لأنها تكون في فترة حضانة، ناهيك عن الجرائم التي ترتكب على الحاسوب أو بواسطته والتي تمس بمصالح الأشخاص وأموالهم سواء عن طريق الدخول إلى نظام المعالجة الآلية للمعطيات أو البقاء فيه أو الجمع بينها، أو عن طريق ارتكاب جرائم تقليدية في قالب متطور، مما يطرح معه تساؤل، هل كان القانون التقليدي كافيا لسد الفراغ أم صعد من وثيرة النقاش الفقهي والقضائي لحل الأزمة القانونية، رغبة في تحقيق الأمان الاقتصادي.
إن اللجوء إلى القواعد الجنائية لحماية كل عمل قانوني يبدأ بالحماية المدنية أولا والتقنية وعند فشل هذه الأخيرة يتم اللجوء إلى القواعد الجنائية لما تحمله من صفة الردع، تلكم هي الحالة في جميع القوانين التي سطرها المشرع في مجموعة من القوانين الخاصة المنظمة للمجالات التي لها علاقة ببرامج الحاسوب والمتعاملين بالتجارة الالكترونية.
يلزم كل متعاقد عبر الشبكة حماية مصالحه بالشكل الذي يضمنه له القانون، فزرع الثقة وبثها بين الأشخاص الطبيعية كانت أم المعنوية رهينة بحماية شاملة.
دائما يأتي القانون بعد حدوث الواقعة، لأن التعامل يبدأ بعد كل عمل إبداعي في أي مجال كان وبالاستعمال المتكرر قد تبرز أفعال تخرج عن الغاية المحددة بأن يكون أشخاص يعملون في الخفاء، ولمدة يبحثون عن وسائل الإساءة والاستفادة من أعمال الآخرين دون عناء.
فالحماية لا تأتي للوهلة الأولى من الناحية الواقعية والعملية إلا بمرور مراحل تستدعي طلبها وقد تكون من جهات رسمية أو غير رسمية، كما هو الحال بالنسبة للجمعيات، كجمعية حماية المستهلك مثلا التي يتجلى عملها في الدفاع عن المستهلك باعتباره الطرف الضعيف في المعاملات التي يبرمها مع المهني.
وتتجلى أهمية الموضوع في عدة مظاهر نذكر منها:
تتصدر الثورة المعلوماتية اهتمام المفكرين من فقـهاء وقانونيين وقضاة، فـما كان لا يتصور من قبل أصبح اليوم حقيقة، فأصبح الاتصال عن بعد مثار جدال لما يخلفه من آثار إيجابية وسلبية، سيف ذو حدين، فالمعاملات التي كانت تبرم بطرق تقليدية أصبحت تبرم اليوم بطرق إلكترونية حديثة، وما ظهور الأسواق الإلكترونية والعقود الإلكترونية والنقود الإلكترونية والابناك الالكترونية والتي تسمى cyber banque إلا دليلا على ذلك.
لعل العقد المبرم عبر وسائل الاتصال الحديثة عموما وشبكة الانترنيت خصوصا، دفع المشرع المغربي كغيره من التشريعات العربية (التونسي- الإماراتي) إلى ملائمة بعض قوانينه بما يناسب حماية المعاملات التجارية التي تتم بوسائل إلكترونية، باعتبار أن العقد الذي يبرم في هذا الإطار له أهمية وطبيعة خاصة تميزه عن العقد الذي يبرم تقليديا.
وبالرغم من أهمية هذا الموضوع إلا أنه لا يخلو من صعوبات قد تواجه كل باحث في هذا المجال بالنظر إلى حداثة التشريعات المنظمة للتعاقد الالكتروني وعدم تجميعها في مدونة خاصة وأيضا ندرة الأبحاث الأكاديمية التي تناولته بالدراسة والبحث المعمق في الاشكالات العملية والقانونية التي يطرحها، سيما وأن الاجتهادات القضائية الصادرة في هذا الميدان يغلب عليها طابع الندرة، كما زاد قصور التشريع الوطني في المجال الجنائي من تصاعد أزمة الأمن القانوني وما كان لقانون 07.03 أن يخفف من هذا القصور في الوقت الذي بدأت تعرض على القضاء المغربي بعض القضايا من هذا النوع، والذي يجد نفسه في وضع حرج بين تحقيق العدالة الواقعية والعدالة القانونية، الشيء الذي يجعلنا نهتم بالتشريع المقارن كلما أمكن، مركزين على القانون الفرنسي.
وعلى كل فبالرغم من الاستخدام المباشر للتجارة الإلكترونية وبالرغم من التطور المستمر فيها وما يحيط بها من غموض للقواعد القانونية التي تحكم التجارة الإلكترونية لوطنيتها ومحدوديتها، على اعتبار أن كلا من المزود والمستهلك الإلكتروني يدخلان في فضاء خارجي عبر المراسلات بواسطة الأقمار الاصطناعية الشيء الذي فرض ضرورة إيجاد قواعد قانونية تتسم بنوع من التشديد والتعقيد لتداخلها، يثير عقد التجارة الالكترونية مجموعة من التساؤلات المرتبطة بهذا العقد سواء تعلقت بتحديد ماهيته وتكييفه وقيمته وأهميته، وما يتصل به من الناحية التقنية والفنية التي قد تفرز مشكلة الأمن القانوني.
كما خلفت الكثير من التصرفات التي تتم باستخدام الشبكة العنكبوتية، باعتبارها وسيلة ووسيطا، ردود فعل وآراء متباينة من حيث الحفاظ على الحقوق الناشئة في ظلها، من ذلك الإثبات الإلكتروني أمام القضاء.
ولا تقتصر الحماية على الشق المدني فحسب، بل تتعداها إلى الشق الجنائي، فحماية المعاملات التي تبرم عبر الانترنيت تدخل في إطار التعدي على الأموال الخاصة بالأفراد، من حيث تقييم المعلومة مالا، تستلزم الحماية اللازمة لها، وإلا ضاعت الحقوق.
3 ـ كيفية تنظيم القانون لهذه الحمايةما أوجه المقاربة المطروحة ( القانون المغربي والقانون المقارن)
*تطرح الحماية القانونية لعقود التجارة الإلكترونية عبر الانترنيت العديد من الإشكاليات الناتجة في أغلبها عن عدم وحدة القانون الذي يؤطرها، فضلا عن عدم الحسم من قبل كل من التشريع والقضاء والفقه حول الطبيعة القانونية للمواقع الإلكترونية والمعلومات والخدمات التي تقدمها المؤسسات التجارية والتي يتلقاها المستهلك فهل هي عادية كغيرها أم تميزها خصوصية تنفرد بها عن الباقي؟
إن الخدمة المقدمة من قبل المؤسسات التجارية عبر الحاسوب كجهاز تحفظ به المعلومات والعقود التي تبرم بواسطته في عالم افتراضي بين أطراف لا يعلم أحدهما عن الآخر، إلا ما تضمنته البيانات التي يملؤها كل منهما وما تثيره إشكالية الإثبات في حالة وجود نزاع، فهل يكفي تأمين التوقيع وآلية التشفير بتقنيتها التي تزداد تعقيدا كلما تم التوصل إلى وسيلة كشفها من قبل المخترقين؟
التوقيع هو العنصر الثاني من عناصر الدليل الكتابي المعد للإثبات بحيث يجب أن يكون يدويا مباشرا، مستبعدا الختم الذي يعتبر بمثابة توقيع، وهو ما نراه أضمن حماية لكل علاقة تعاقدية، الشيء الذي يجعلنا نتساءل عن مدى مضاهاة التوقيع الإلكتروني للتوقيع العادي من حيث الوظيفة التي تؤديها هوية الموقع وشخصيته.
فدراستنا لموضوع الحماية القانونية لعقود التجارة الإلكترونية في القانون المغربي والمقارن تتمثل في البحث عن مدى كفاية الحماية القانونية، ومن هنا كانت أهمية الموضوع تبرز من خلال استعرض جوانب الحماية التي تحققها قوانين التجارة الإلكترونية والعقود التي تبرم في فضائها في عالم افتراضي لا يعترف بالحدود الجغرافية، بأن صعب الأمر بعد أن كان الإنسان يتعامل بشكل عادي في علاقاته اليومية، لم يكن يتصور أنه سيأتي يوما ويتعاقد إلكترونيا عن بعد ومع أشخاص لا يعرفهم معرفة مجلس العقد الواحد في الآن والمكان.
ولما كانت المعاملات التجارية الإلكترونية تتعرض لعمليات إجرامية من نوع مختلف يصعب اكتشافه من حيث الإثبات والأدلة وتقديرها من قبل القضاء، فإن مرد ذلك إلى اختلاف الآراء في تحديد الطبيعة القانونية للمعلومات المدخلة في الحاسوب أو تلك التي يتم الحصول عليها عبر الانترنيت.