1 ـ ما دلالة الحوار الذي أجراه لقجع مع جمعية هيئات المحامين، على ضوء احتدام النقاش حول قانون تضريب المحامين؟
ج ـ أولا لقجع مجرد حاضر ممثلا فعليا لوزارة المالية ، فهو المقرر الحقيقي للميزانية وله تجربة مهمة في هندسة ورقابة المالية ، كما حضر وزير العدل ، ثم إن الأمر يتعلق بمجرد تفاعل سياسي ومعنوي أكثر منه تجاوب مع مطلب التشاركية المتبجح به والمزعوم أنه ضمن القيم المضافة المميزة لدستور يوليوز 2011 ؛ ومن جهة ثانية أتيحت الفرصة لكي يعلن لقجع أن صاحب الإقتراح والتعديل هو المحامي نفسه/ وزير العدل ، وبذلك ، في نظر مقرر الميزانية ، حصلت المقاربة التشاركية وتحققت.
2 ـ هناك رأي من داخل جسم المحاماة، يرى أن التوقف الكلي عن العمل ملتبس وغامض يتعين الاتفاق على مدلوله ومداه، خصوصا فيما يتعلق بتقديم المساعدات الواجبة عليهم إزاء القضاء، سواء بالنسبة للجلسات أو الإجراءات؟
هذه مقاربة تستند إلى منع مخالفة واردة في قانون المهنة وهي ردع أي تواطؤ ضد العدالة !
لكن في نظري لقد تطور مفهوم النقد والإحتجاج في إرتباط مع توسع حرية التعبير ، خاصة في قطاع كان سياديا بالمطلق ، واليوم تتجه الأنظار إلى مقاطعة أداء الرسوم والصوائر القضائية ، وهذه المقاطعة تضر بمداخيل الخزينة العمومية ، وأحيلكم إلى تجربة “معركة رفض جواز التلقيح ” والتي أربكت المالية خصوصا في المحاكم المدنية في المدن الكبرى والمحاكم التجارية .
وفي نظري المتواضع هناك قلة نادرة من يتذرع بهذه القاعدة والتي لم تعد مأثورة ! فالمهنة سوسيولوجيا لم تعد معبرا إجتماعيا عن الأريستوقراطية كما في الماضي ، فهي ملاذ الأغلبية الساحقة لخريجي كليات الحقوق والعلوم القانونية ومتقاعدي الإدارة العامة ومتصرفيها والقضاة. وبالتالي تبلترت المهنة على إثر إستقطاب أبناء الطبقات الشعبية الكادحة، وما يترتب عن ذلك من تدهور القدرة الشرائية والوضعية الإجتماعية.
وحصل أمر واقع وهو أن المنطق النقابي (logique syndicale) لا يمكن أن تستوعبه هيأة المحامين ( Ordre d’avocats) ، وأدعوكم لكي تسألوا بعضا من هؤلاء الذين يزعمون ما جاء في سؤالكم لما لجؤوا إلى تأسيس نقابات في إطار ظهير 1957 ! ولأن المناسبة شرط، فإن نظامنا المهني مستوحى ويغترف من التقاليد اامهنية لفرنسا منذ بداية العشرينات من القرن الماضي.
واليوم تلاحظون خروج المحامين إلى الشارع وبعضهم يلقي بالبذلة ويتخلص منها ، ونتمنى أن تكون الدولة في المستوى وتستوعب غضب هذه الفئة قبل أن يعبر عنه ، فالأمر يتعلق بمجرد ردود فعل من قبل المحامين. صحيح أن الدولة تحتاج إلى موارد لتغطية مشروع الحماية الاجتماعية ، فهل يستقيم بناء الدولة الإجتماعية على حساب الطبقة الوسطى والتي تعتبر المهن الحرة أحد دعائمها ، وبالمقابل تزدهر عملية إعفاء الطبقات العليا عوض إقرار ضريبة تصاعدية على الثروة !
3 ـ وصفتم اللقاء بين لقجع والمحامين يومه الإثنين، ب”هلوسات من شدة العبث وفيض الإبتذال”
وأن الحل الوحيد لكي ترفع وزارة العدل وصايتها التعسفية عن مهنة المحاماة والمحامين هو النضال من أجل إرجاع رئاسة النيابة لوزير العدل لكي يعود عضوا في المجلس الأعلى للسلطة القضائية ونائبا للملك كما كان عليه الأمر في ظل المجلس الأعلى للقضاء؟ هل تذهب الوضعية المأزومة، بنظركم إلى هذا السقف المرتفع، خصوصا وأن أولويات جسم المحاماة الآن، يذهب إلى صد أو منع تمرير قانون التضريب، وإعادة تأسيس حوار أكثر فعالية، حول القانون التنظيمي للمحاماة؟
تلك مجرد تدوينة ( من باب السخرية السياسية ) أحاول من خلالها الإشارة إلى ضرورة صحوة العقلاء ويقظة الحكماء ، فلا يعقل إستغلال سذاجة أو أنانية بعض المسؤولين لتمرير قرارات عبثية ، إنها إنتهازية سياسية غير لائقة بدولة تبتغي البحث عن تنافسية دولية وإقليمية ندية . فوزارة العدل تكاد تشبه وزارة شكلية دون محتوى سياسي ، فبعد إستقلال القضاء كسلطة دستورية وبعد خلع رئاسة النيابة العامة عن وزير العدل وإقصائه المهذب من المجلس الأعلى للقضاء كنائب للملك؛ فإنه لم يبق للوزير سوى حراسة الجدران بدل الأختام والحريات .
حوار اليوم تم داخل قبة البرلمان وهذا نفسه، بمجلسيه لازال مجرد غرفة للتسجيل ، ومع ذلك له أهميته فالمحامون في حاجة إلى إشراكهم في افق دسترة المحاماة كمرفق حيوي يكتسي صبغة “المرفق العمومي” فأطره يساهمون في تنمية البلاد إلى جانب صناعة الحقائق القضية والتدبير السلمي والقانوني للنزاعات الإحتماعية والتي هي في عمقها إقتصادية محضة .