كلما تذكرتُ قول يزيد بن معاوية حين مات أبوه الخليفة معاوية بن أبي سفيان : ( كان حَبْلاً من حِبال اللّه …) ، أرى كيف صار الدين سلعةً تُباع وتُشترى ، وأن حكم الدين بات له أكثر من وجه ، وجه لوجهاء القوم ، وآخر لفقرائهم ، وثالث للسلاطين والأمراء والملوك والخلفاء ، وأن كل من صار بيده الحُكم عبر وراثةٍ ، أو عبر تشاورٍ في الأمر ، أصبح يرى نفسه خليفةَ الله ، أو نائبًا عنه أو ممثلا له ، حاملا بيمينه مفاتيح الجنَّة ، وبيساره مفاتيح جهنم ، إذْ شكَّل مقتل الحُسين والذين معه الحادثة الأبرز التي قصمت ظهر المسلمين وقسَّمتهم إلى معسكرين : سنَّة وشيعة ، ولأنني لا أعرف مذهبيةً في الدين ، وأومنُ أن لا مذاهب في الإسلام ، فإنني أرتعد كلما قرأتُ ، أو استرجعتْ ذاكرتي ما حدث لآل البيت على يد يزيد وتابعيه ممَّن كانوا ينصتون له وينفِّذون أوامره ، فما بالني وأنا في قلب كربلاء ؛ حيث زُرتُ قبر الحسين ، وأخيه أبي الفضل العباس ، والشاعر فضولي وهو من مشاهير من رثوا الحُسين شعرًا .
لا أدافع عن شخص أو أعلِّي من مذهب على آخر ، لكنني أحاول أن أعود إلى جُذُور بدايات زراعة الدم في أرض المسلمين ، وبيع الحُسين بدلا من مُبايعته والغدر به ، ومقتله وفصل رأسه عن جسده ، والتمثيل بجثته ، ومقتل أخيه أبي الفضل العباس بن علي بن أبي طالب وقطع يديه ، وأقول إذا كان كل ذلك حدث لسبط رسول الله وبعض من آل البيت ، فما نراه من أهل داعش ، ومن آزرهم من السلفيين وأعضاء الجماعات الإسلامية في زماننا ماهو إلا تكرار الوقائع ، ونقل الصور بحذافيرها ، فمثلا أن يطلب يزيد بأن يأتيه عبد الله بن الزبير مصفدًا في الأغلال وهو الصحابيُّ ، لمجرد أنه كان ضد بيعته خليفة للمسلمين ، لهو الجور والعسف والظلم والحكم بما لم يأت به الله ورسوله ، والابتعاد بالدين عن جوهره وصحيح نصوصه .
وهو نفسه يزيد بن معاوية ( 23 من رمضان 26 هجرية – 14 من ربيع الأول 64 هجرية / 20 من يوليو 647ميلادية -12 من نوفمبر 683 ميلادية ) الذي قالت له فاطمة بنت الحسين : ‹ يا يزيد بنات رسول الله سبايا؟› من أرسل رسالته إلى بن زياد – و كان قد ولَّاه على الكُوفة ، بعد أن كان واليًا على البصرة فقط ، وأرسل إليه : «… قَدْ بَلَغنِي أنّ أهل الكوفة قد كتبوا إلى الحُسيْن في القدوم عليهم ، وأنّه قد خرج من مكّة متوجّهًا نحوَهم ، وقد بلي به بلدك من بين البُلدان وأيّامُك من بين الأيام، فإن قتلته وإلا رجعت إلى نسبك عبيد، فاحذر أن يفوتك» ، أليس تلك الرسالة أمرًا مباشرًا بقتل الحُسين ، وهناك مراجع كثيرة تشير إلى الواقعة ، بل إن ابن زياد قد أقر بنفسه التكليف بقتل الحُسين : «وَ أمّا قتلي الحسين، فإنّه أشار إليَّ يزيد بقتله أو قتلي فاخترتُ قتله» ، ، وكان القتل ليس إلا ابتغاء للسلطة والمنح والعطايا والفوز بما هو مادي لقاء رأس الحُسيْن ، التي فُصلت عن جسده ، وأرسلت إلى الخليفة في دمشق حيث يحكم .
وعلى مبدأ « البِرُّ لا يَبْلَى، والإثْمُ لا يُنسَى، والدَّيَّانُ لا يَنام، فكُنْ كَما شِئْت، كَما تَدينُ تُدان » ، أو ” الجزاء من جنس العمل ” ، أو ” كما تُجازِي تُجازَى ” ، مات ابن زياد مقتولا سنة 67 هجرية – 685ميلادية ، على يد إبراهيم بن الأشتر النخعي الذي أخذ يصيح في جنده لما رآه : عبيد الله بن زياد ، هذا قاتل ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قد جاءكم الله به ، وأمكنكم الله منه اليوم، فعليكم به ، فإنه قد فعل في ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم يفعله فرعون في بني إسرائيل ، هذا ابن زياد قاتل الحسين الذي حال بينه وبين ماء الفرات أن يشرب منه هو وأولاده ونساؤه، ومنعه أن ينصرف إلى بلده أو يأتي يزيد بن معاوية حتى قتله. ويحكم ، اشفوا صدوركم منه، وارووا رماحكم وسيوفكم من دمه، هذا الذي فعل في آل نبيكم ما فعل، قد جاءكم الله به ” ، وقد ” ضربه ابن الأشتر فقطعه نصفين ، فاحتزوا رأسه وأرسلوها إلى المختار في الكوفة مع البشارة بالنصر والظفر بأهل الشام ” .
يكفي أن نعرف أن رأس الحُسين عندما أتت بين يدي عبيد الله بن زياد جعلها ” … في طست ، وأخذ يضربها بقضيب كان في يده ، وأخذ يضع عصاه على فم الحسين ” وفي روايةٍ أخرى : فجعل ينكت فيه بقضيب في يده ” ، ثم يقول: ‹ إن أبا عبد الله قد كان شمط “. فغضب أنس بن مالك ( 10 قبل الهـجرة – 93 هـجرية ) وقال: ‹كان أشبههم برسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكان مخضوبًا بالوسمة ، وفي روايةٍ أخرى : فقلت : والله لأسوأنك ، لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه يقبِّل موضع قضيبك من فيه .›.
ولستُ معنيًّا – هنا – بصحة أو بجواز بيعة يزيد كخليفة للمسلمين ، وهل هو يستحقها أم لا ، وهل تمَّت البيعة بواحدٍ أو اثنين أو بستين ؟ ، وبالمثل لست معنيًّا بحق الحُسين بن عليِّ في البيعة ، وبأحقيته وأهليته في أن يكون خليفة أم لا ؟ ، وإنما أنا معنيٌّ بما حدث لآل البيت من سبي ، وتخويفٍ ، وقتل ، وتمثيل لجثث من قُتلوا ، وإسالة دماء ، ومنع أحفاد النبي من شرب الماء ، والفرات قريب منهم ، ولما حاول أبو الفضل العباس “المُسمَّى ب “قمر بني هاشم” و “ساقي العطاشى” أخ الحسين نقل الماء لهم قُطِّعت يداه وقُتل ، ودفنه الناس في موضع قريب من قبر أخيه الحسين .
وكربلاء التي زرتُها في مارس 2017 ميلادية ، أرض الآلهة كما كانت تُسمَّى قديمًا ، والذي يعنى اسمها لدي البابليين ( قرب الآلهة ) تلك المدينة التي نالت قداستها مما سال على أرضها من دماء وقتل للحُسين والذين معه على أيدي الأمويين ، وكان على قمة السلطة وقتذاك يزيد بن معاوية ، وكان الحُسيْن بن علي والصحابي عبد الله بن الزبير من مُعارضي توليه الخلافة وراثة لأبيه الخليفة الأموي معاوية بن أبي سفيان ، ولم يكن يزيد مرشَّحًا لخلافة أبيه لحكم المسلمين ، بل حدَّد معاوية أن الخلفاء من بعده سيكون واحدًا من ستة : سعيد بن العاص، عبد الله بن عامر، الحسن بن علي، مروان بن الحكم، عبد الله بن عمر، عبد الله بن الزبير ، وهو الذي سيتراجع بعد ذلك ويزكي ابنه على سواه ممن كان قد رشَّحهم .
* ahmad_shahawy@hotmail.com