إذا كانت الظواهر البيولوجية والفزيائية تشكل القاعدة الطبيعية للبيئة البشرية، فإن الأبعاد السوسيولوجية والاقتصادية وقيم الأخلاق تشكل محددات البيئة وتوجهاتها وأدواتها، بفضل الإنسان الذي بإمكانه فهم واستعمال الثروات الطبيعية بشكل عقلاني.
لقد أصبح من البديهي أن العلوم الاجتماعية تشكل ضرورة لدراسة إشكاليات البيئة والبحت عن حلول، فهناك علوم أساسية تقارب دراسة البيئة منها العلوم الاجتماعية الاقتصادية والسوسيولوجيا والأنثروبولوجيا الاجتماعية والتاريخ والجغرافيا.
* االعلوم الاجتماعية الاقتصادية: يمكنها أن تسمح بتحديد شكل تنظيم الشعوب لسيرورة الانتاج والتوزيع ثم الاستهلاك للخيرات والخدمات التي تحقق حاجياتهم. وفي ذات الوقت، هذه العلوم تحدد التعاقد حول البيئة، كذلك تبحث في الانتاج المرتفع الذي يعطى أرباحا آنية كالتكلفة المباشرة وعدم التكافؤ الدولي حول استهلاك الثروات واستعمال تكنولوجيا غير متكيفة مع الواقع.
* السوسيولوجيا: من بين اهتماماتها دراسة القيم التي تستوعب السلوك الفردي أو الجماعي وجها لوجه مع البيئة، تعالج كذلك كيفية تنظيم المجتمع وتحدد أسلوب الحياة الممكنة ونظام القيم الايجابية والسلبية حول خاصية البيئة وتحقيق الحاجيات في علاقتها مع الاستهلاك.
*الأنثروبولوجيا الاجتماعية: يمكن أن تزود الجانب الاجتماعي والاقتصادي بحلول مختلفة، كما أنها تعطي نماذج وتزودنا بدراسات حول علاقة الحضارات والمجتمعات الانية بالبيئة.
*التاريخ : يعطينا تصورا يقوم حول الاستمرارية و النسبية للإنسان ، حول الحقيقة من خلال الزمان ، في إطار أفق وتأمل و بحث ، جاء الاهتمام بتاريخ البيئة البشرية لفهم علاقة المجتمعات الماضية لبيئتها ، ويمكن التنبؤ بأفق الاهتمام المستقبلي بالبيئة ، و الاستفادة من دروس الماضي للبحث عن حلول لإشكاليات البيئة الحالية. أي أن الحلول لها بعد تاريخي يقطع الزمان الخلفي و الأمامي. كما يدرس التدبير و الارشاد العقلاني أو غير العقلاني للبيئة الآنية و الماضية له نتائج ليس فقط على مستوى الحياة الآنية ، ولكن حول الحياة المستقبلية عامة ومن المدارس التاريخية التي اهتمت بعلاقة الانسان بالبيئة مدرسة الحوليات بفرنسا ونذكر من الرواد”إيمانويل لو غواي لديري” في كتابه : “تاريخ المناخ منذ الف سنة”.
*الجغرافيا : تهتم بالتأمل البيئي في معناه المجال المتعدد الأبعاد : الطبيعي – الاجتماعي – الاقتصادي – تحول المجال .من المنظور التربوي، تعد هذه الأبعاد ضرورية لحصر و فهم أن البيئة البشرية جد معقدة . ففي إطار الجغرافيا الجديدة مع “بول كالفال” في كتابه : “الجغرافية الجديدة”، ظهرت هذه التعقيدات كبعد مجالي له خاصيات منها: المجالات البيوطبيعى أقيم حول المحيطات و الأراضي المهجورة ، لكنها تختلف حسب التنوع المناخي و المجال الاقتصادي، الذي يحدد من خلال الانظمة الانتاجية و تبادل الخيرات و الخدمات، بين الجماعات والمجال الاجتماعي، يقوم حول الجماعات البشرية التي تحتل مجال بيوطبيعى .
لماذا يهاجم الايكولوجيون الطبيعة والثقافة البشرية؟
يعد الايكولوجيون متشددون في الدفاع عن الغطاء النباتي والتنوع الحيواني، فهذا الخطاب يخفى من ورائه بعدا أيديولوجيا، يريدون منه إحياء الفلسفة القديمة الاسيوية التي تقدس الطبيعة وكل الكائنات الحية.
ألم يفكر الايكولوجيون في شعوب تموت جوعا ومرضا؟
لقد أصبح من الضروري تأسيس علاقة جديدة مع الطبيعة، تستدعى أكثر مما مضى تحسين الخيرات المادية ، ولكن بدون وضع حدود للتنمية العلمية ، فالعالم الطبيعي هو قاعدة و ركيزة الحياة البشرية ، هذا العالم هو نظام من العلاقات التي تسمح بخلق توازن مستقر بدون أسف متبادل بين الأيكولوجي و الجغرافي، بهذا المنطق السليم، أن الايكولوجيا مستدعية إلى مركز اهتمام و بحث الجغارفة، لذلك يمكن القول ، أن الايكولوجيا تحتل بعدا أخلاقيا، باعتبار أنها ولدت في الجغارفة روح الحياة و نمطها أكثر انفتاحا على القيم العالمية ، بحيث أن حب الطبيعة يحتل في الجغرافية مكانة خاصة و مهمة.
إن الانسان، يبقى هو الكائن الوحيد في الطبيعة أكثر ذكاء، وله اهتمامات فكرية، كما يشكل كائنا مندمجا مع الطبيعة بإرغاماته المادية والثقافية وفي ذات الوقت يعد الكائن الوحيد في تخريب الوسط الطبيعي.
ـ الصورة من الأرشيف ـ