لا يمكن الحديث أو البحث في وضعية الطفل في قانون الشغل المغربي القديم دون ربطها بالمدونة، التي عرفت طريقها للتطبيق في 08-06-2004 ، و قانون الشغل، ضمن مجموعة القوانين المغربية، هو آخر القوانين التي تم إصدارها في مدونة واحدة، بعد أن كان موزعا بين عدة ظهائر وقوانين ومراسيم عـديدة، صدرت في ظروف سيـــاسية معـيـنـة أثناء مرحـلة الحمـــاية الفـرنسية للمغـرب ثم بـعـد الاستقـلال. وكانت تلك القـوانين تصدر حسب قـوة الصـراع الاجتماعي / السياسي، فلا يمكـن – مثلا- عـدم ربط صدور القانون النموذجي في 23 أكتوبر 48 بالظرفـية الاجتماعـية، والسيــاسية، والتــاريخـية، المغرب حينئذ ـ ولفـرنسا أيضا ـ نهاية الحرب العالمية الثانية: النضال من أجل الاستقـلال، ظهـور الأحزاب الوطـنـية، انخراط المغاربة بكثافة إلى جانب الفـرنسيين في ميدان الشغل وفي النقابات.
كما لا يمكن عدم ربط صدور قـانون أبريل 1973 المتعلق بالعمل الفلاحي بالمرحلة التي صدر فـيها – حوادث أولاد خليفة، العمل النقابي و السياسي في البوادي- ثم إن القـوانـيـن الـتـي عــرفـت تـراجعــا جـــاءت في مرحـلـــة الخوصصة، أو الخصخصة والعـولمة، وانـهـيار بلدان المعسكر الاشتراكي، وما يمثله كل ذلك من قيم اجتماعـية.
لــذا فــإن مــوضـــوعـــنا ســيـتــناول:
أ- الطفـل فـــي قــــانون الشـغـل المـغـربـــي مــنذ 1913.
ب- الحدث في القانون رقم 99/65 المتعلق بمدونة الشغل.
سـن الـتـشـغــيـل:
• عـندمـا أصدر المشرع المغـربي ظهير 12 غشت 1913 المتعـلق بقــانون الالتزامــات والعقـود، أو القــانون المدني، ضمـنه بعـض الفـصــول المتعقـلة بقـانون الشغـل -المواد من 723 إلى 758 و عددها (35)-. وكانـت هـذه الفـصـول التي وضعـت عـلى عـجـل تهم الفرنسيين والأجانب، الذين دخلوا ميدان الشغل فـور بسط النفـوذ الأجنبي على المغرب، الذي يقوم جانب من اقتصاده على نظام الحرف التي كانت تتركـب من المعـلم، والصانـع، والأطفال، أو المتعلمين، ولكـل حرفة أمين ويرأس مجـلـس الأمناء المحـتـسـب المعين مـن طرف السلطة. وهـذا النظام لازال ساريا في الصناعة التقـليدية حتى اليوم.
ولم يشر المشرع في هـذه الفصول الـ 35 ولو بصفة عامة إلى سن التشغيل، كما لم يشر إلى الطفـل، أو الحدث حتى صدور ظهير 13 يوليوز 1926 الذي نسخ بالكامل فيما بعد، والذي نص عـلى بعض الإشارات المتعلقة بتشغيل الطفل دون توضيح ، ثم إلى حـين صدور ظهير 2 يوليوز 1947، الذي تضمن فـصولا عـديدة حول الطفل، و طالته تعديلات خلال سنــــــوات 1949 و 1950 و 1952 و 1953 و 1958 و 1962 و 1966 و 1967 و 1968 بظهائر مختلفة عـدلت ونسخت فـصولا كثيرة مراعاة لطبيعة المجتمع المغـربي، خصوصا في مرحلتي: الاستعـمـار والاستقلال، ولظروف كـل مرحـلة تاريـخـيـة، وانتقــال المغـرب من عـهـد الحماية ، و تطـورات الـوضع الاقـتصادي، والاجتـمــاعي، والسياسي، الذي عـرف تبدلات شاملة سـواء في ميدان العـمـل عــامة، أو فيما يخص الـنـظرة إلى عـمل الطفـل. والمشرع المغربي رغـم الفصول التي ضمنها ظهير التنظيم القانوني لعقد العمل في القطاع الصناعي، والتجاري، والمهن الحرة، أو ظهير 2 يوليوز 1947، والتعـديلات اللاحقة عــليه المتعـلقة بعـمل الأطفال، فإنه أشار في ظهائر أخرى إلى قـواعـد إضافـية، أو تأكيدية في هذا الصدد. وهكذا نجد في ظهير 9 يناير 1946 حول العطل، المعدل بظـهـير 24 أكتوبر 1961، أن المشرع أشار إلى الطفـل كمــا استعمل مصطلح “العملة الصغار” في الفـقـرة 3 من المادة 3 حول مـدة العطلة عـند بلوغ الطفل 18 سنة أثناء العمل، وكذا في المادة 32 بخصوص تعويض إضافي للعملة الصغار عـن عـدم منحهــم العطلة.
تـشـغـيـل الأطـفـال فـي الـفـلاحـة:
نص المـشرع المغـربـي فـي ظهير 24 أبريل 1973، الـذي تحـدد بمـوجـبه شروط تشغــيل المأجورين الفلاحين، في الفـصل 13 على منع تشغيل الأطفال قـبل بلوغـهـم سن 12 كاملة، و عـلى تمكين العون أو الأعـوان المكلـفين بالتفـتـيـش من طلب عرض الأطفـال عـلى الطبيب، إذا لم يبلغوا سن 16 للتأكد من أهليتهم الصحية للعمل الفلاحي. لكن المادة 14 نصت على إمكانية مخالفة ذلك بعد إذن عـون التشغـيـل. و أشار الفـصل 17 إلى الأعـمال الخطيـرة المـمـنـوع عـلى الأطفال مزاولتها، والتي سيصدر الوزير المكـلف بالتشغيل قـرارا خاصا بتحديدها بالاتفاق مع وزير الفلاحة.
تـشـغـيـل الأطـفـال فـي الـمـنـجـم:
أشــار ظهـيـر 24 دجنبر 1960 المتعـلـق بالـنظام الأســــاسي لمستخدمي المؤسسات المنجمية إلى الأطفال، في الفصل 21 الذي نص على منع الأطفال الذين تقل أعمارهم عن سن 16 من العـمل بحفـر المنجـم، ومعنى ذلك أنه يجـوز عـملهم فـي سطح المـنـجم أو في أشغال أخرى غـير القـعـر، إلا أن المشرع استدرك لعموم العملة الصغار دون سن 18، فمنع عملهم المنجمي في مواقع قد تعرضهم لأمراض مهنية سواء داخل المنجم أو خارجه، وفي الواقـع العـملي فإن وجود الأطفـال في المناجم أمر نادر الحدوث، مع استثناء المقـالع والتشغيل الجديد عـن طريق المقاولة. وهكذا يلاحظ أن الظهائر المشار إليها وهي ظهائر أساسية في قانون التشغيل المغربي، قـد خصصت عـدة فـصول للأطفال من سن 12 إلى 16 للعـملة الصغار من سن 16 إلى 18، وحددت كيفية تشغيلهم وأوقات العمل، ونوعـيته، وعطلهم. وقد صدرت مراسيم وزارية مكملة لتحديد أوقـات العمل الليلي المسموح بها في بعـض الصنـاعــات لـتشغـيل الأطفـال، فحددت مدد هذا العمل الليلي. و الواقع أن رغم اشتراط العمل الليلي مدة لا تتجاوز 90 يوما، و تعليقه بصناعات معينة كصناعة الحلوى، فإن مرسوم العمل الليلي للطفل والمرسوم الذي حدد الأعـمال الخطرة التي يمنع تشغيل الأطفال فـيها مردودان، لكون كثير من الأعـمال التي حددها مرسوم 8 مارس 1948، هي أعـمال مـوسمية أصلا، أي أن مدد العمل فـيها لا تتعـدى في أكثر الحالات 90 يوما، و حيث كان عـلى المـشـرع أن يجعـل النص عـلى إطلاقه و يمنع العمل الليلي للأطفـال جملة و تفصيلا.
وإذا كان قـانون الشغل المغربي قد حدد عـمل الطفـل في سن 13 ، وحـدد نوعـيــة العمل، ومـنع عـنه العـمل الخطر والليلي أحيانا، فإن هناك قطاعا واسعا سكت عنه المشرع المغربي سواء في القـوانين الحالية، أو في المدونة، وهـو قـطاع الصناعـة التقليدية، و الذي يشغل أكبر عـدد من الأطفال، دون سن 12 في غالب الأحيان. فظهير 2 يوليوز 1947 سكت عـن هذه الفـئة الواسعة. التي يضاهيها من حيث العدد فئة خدم المنـازل، التي تشكل الفـتيـــات نسبتها الأوسع. و لـم يتـسع صدر الـقـانــون المغربي لهن/ لهم لأسباب بنيوية في المجــتمع المغـربي. و قد تم أخيرا وضع قانون في هذا الشأن، و إن كان يقابله استشكال في الفصل 747 من القانون المدني بخصوص وضعية الأجير الذي يعيش بمنزل المشغل إذا أصيب بمرض أو في حادث، فإن المشغل ملزم بالنفقة عليه و بأداء مصاريف التطبيب و العلاج لمدة 20 يوما من تاريخ المرض أو الحادث و هذا الفصل نسخ بالمدونة.
وانسجاما مع الـنصوص السابقة والتالية، يفهم من هذا الفصل (747 ق.ل.ع) أن الأجير يعمل في مؤسسة المشغل و يقيم خارج منزله أو يفترض أن يكون عمله بمنزل المشغل. و كيفما كان تفسير نوع العمل و مكانه: في أشغال البيت و داخله، أو في أشغال تجارية أو صناعية خارجه…فإن المشغل غير ملزم بأكثر مما يقيم أود الأجير مع مصاريف التطبيب و الدواء و لمدة لا تزيد عن 20 يوما من تاريخ المرض أو الإصابة.
و قد تم نسخ الفصل 747 – كباقي الفصول المتعلقة بقوانين الشغل- بالقانون رقم 99/65.
ظهير 2 يوليوز 1947: يعـتبر هـذا الظهـيـر مـع ظهير 23-10-1948 من أهـم القـوانين التي صدرت بعـد نهـاية الحـرب العـالـمـية الثانية، تحـت ضغط الواقع الاجتمــاعي الجديد المتميز بـقـوة الصراع السياسي، وظهور تعـقـيـدات اجتماعـية، واقـتصادية في المغرب، على اثر إنشــاء مؤسسات صناعـية هامة وتقوي النقـابـات المـهـنـيـة، ودخول الأطفال والنسـاء ميدان العمل الصناعي، والتجاري، والمهني، بعد أن كان العمل مقـتصرا عـلى الصناعة التقـليدية، والحرف. وقـد خصص هذا الظهير الفـصول من 9 إلى 17 للطفـل، و أكـد الفـصل 9 عـلى منع اشتغـال الطفـل قـبل بلوغــه 12 سنة كاملة، أي أن يكون في الـيوم الأول لبلوغـه 13 سنة، كما أكـد منع اشتغـال الطفـل ليلا إلا بعد بلوغه 16 سنة، ومفـهـوم الليل عـند المشرع هـنا يمتد من العاشرة ليلا إلى 5 صباحا، أي أن الوقـت الممتد من 8 إلى 10 لا يعـتـبـر ليلا، فالخــامسة صباحا تعـتـبـر نهـارا !.
يتبع …
- باحث وكاتب مغربي من مراكش