ردا على مداخلة فتح الله ولعلو الوزير الأسبق في المالية والإقتصاد ضمن حكومة التناوب التوافقي، قام بعض الإعلام المختلف معه بتبخيس موقفه الجريء تجاه سياسة فرنسا وإسبانيا الخارجية، ونقده لمسؤوليتهما فيما جرى في القضية الوطنية الصحراوية، بعلة أنه كان منفذا لسياسة الدولة في العلاقة مع الخوصصة؛ ويبدو بالنسبة لنا أن النقاش وطريقة التفاعل في غير محلها بإسقاط الطائرة في حديقة جرداء من النسبية والسياق الملائم ، فرغم إختلافنا مع فتح ولعلو ومع مقاربته التي ينسجم معها، هو وصحبه وبعض إخوانه في الحزب أو الدولة، لا فرق، ما دام التناوب توافقيا وإشتراطيا كما إملاءات المؤسسات المالية الدولية، وإذعانيا كما يفرضه الأمر الواقع والتقاليد المؤطرة لممارسة السلطة وخاصة في مجال المالية والإقتصاد كمجالات سيادية محفوظة . وبغض النظر عن ضرورة تقييم التجربة، بما لها وما عليها؛ لكون الموضوع يستحق لما علاقة بمطلب إستكمال التحرير إقترانا مع بناء الديمقراطية وإرساء الفكر الإشتراكي، ضمن استراتيجية النضال الديمقراطي التي خطها المؤتمر الإستثنائي وكرس ملامحها مناخ وتوصيات وادبيات المؤتمر الوطني الثالث للإتحاد الإشتراكي للقوات الشعبية؛ فإنه وجب التأكيد على أن الإتحاد الإشتراكي لم يكن يحكم وإنما ينفذ سياسة الدولة المتوارثة.
وكان الجميع واعيا بحدود الصلاحيات ومحدودية الرهانات ، وبالتالي لا يمكن فصل الخيارات الحكومية عن إلتزامات الدولة تجاه الخارج ؛ وعلى سبيل الإستئناس فلم يسبق لأي حكومة محسوبة على الحركة الوطنية الإستقلالية او التحررية، محليا أو افريقيا حتى ؛ أن شذت عن سياق ما خطته المؤسسات المالية الدولية أو نأت عن التعايش وعقد تسويات مع العولمة وما يترتب عنها من تداعيات وآثار سياسية واقتصادية واجتماعية ؛ وفي الصدد يمكن الرجوع ، على سبيل المثال إلى الظرفية التي جرت فيها التوافقات والتسويات في بداية الثمانينات بجنوب أفريقيا .
وفي هذا الصدد يمكن الإطلاع على مؤلف “صندوق النقد الدولي ، قوة عظمى في الساحة العالمية ” الصفحات 75 وما بعدها …لكاتبه أرنست فولف” (منشورات عالم المعرفة). لذلك إذا كان من نقد لما قاله ولعلو ينبغي أن ينصب على المحتوى وعلاقته بمطلب تأهيل مواقف فلول الإستعمار وفك الإرتباط بمؤسساته الوريثة أمنيا وماليا وسياسيا وثقافيا ، وهو الجانب الذي يستدعي الواجب تثمينه وتفعيل مقتضياته الإيحابية والمنتجة للخلاص والتحرر والإنعتاق ، في ظل بروز ملامح إرادة لدى الدولة المغربية في شخص ممثليها الدستوريين ومنهدسيها الأمنيين لتغيير قواعد التعاقد على أساس تنافسية وندية تروم تحقيق مبدأ الإستقلال من الوصاية في إطار الإنصاف والتوازن المصالحي المتكافئ .
حقا هنا حقوق مكتسبة والتزامات متبادلة بين الدول ، غير أن الظرفية العالمية تقتضي مراعاة التدرج فيما يخص القطائع المتطلبة ، فمن جهة لابد من اعتماد مرحلة إنتقالية للحسم في مصير العلاقة مع الجوار وفي مطلب استكمال تصفية الإستعمار ، دون التسرع في الإصطفاف الجديد ضمن خريطة النظام العالمي المستجدة افتراضا ، في إنتظار وضوح الرؤية أكثر ، وكل هذا يتطلب منا دعم المناخ العام المتسم بتصاعد الحماسة الوطنية وإقرانها حقا بشرط تصفية البيئة الحقوقية ورد الإعتبار للحق في العيش الكريم وللحق في مناهضة الفساد ومقاومة مظاهر الإستبداد وفي ذلك تحقيق لدولة المجتمع ، فليست الديمقراطية كوسيلة سوى الوجه الآخر من عملة الإنتماء الوطني والسيادة المؤسستية.