بوسعنا فهما لما يكون الزمان أن نشرع بالتوكيد على أن ثمة إجمالا تصورين إثنين لهذا الأخير.الأول ،افتراضي ،نظري ،دماغي ،فكري و مكتباتي بينما الثاني تجريبي إمبريقي. و إذا كان الطرح الأول، طرحا تبناه الفلاسفة و شيدوه على نحو ترنسندنتالي ، بدءا من هيراقليطس الذي كان يعتبر الزمان “تدفقا نهريا” و أفلاطون الذي نظر إليه باعتباره “الصورة المتحركة للأبدية الغير المتحركة”، وصولا بطبيعة الحال إلى كانط الذي ما انفك يعتبره بمثابة” الصورة القبلية للحساسية”،أو بركلي الذي قرنه” بسلسلة من الأفكار المتتالية” ،مرورا بأرسطو الذي حدّده” بعدد الحركة الحاصلة وفق الماقبل و المابعد” و أفلوطين الذي رأى فيه “صورة الواحد التي ينطوي عليها كل ما يتواصل” و كذا الرواقيين الذين تعاملوا معه ك “فجوة ملازمة لحركة الكون “؛ فالطرح الثاني الذي يهمنا هنا ،طرح يكاد يخلو كليا من تجريدات الفلاسفة و تخميناتهم الافتراضية ، نلفيه أساسا عند علماء الجيولوجيا و عشاق المغارات و على رأسهم بخاصة “ميشيل سيفر”.ذلك أن الجرأة التي عرف بها هذا الرجل منذ نعومة أظافره ، هي ما يسر له لا ركوب صهوة السؤال فحسب بل أيضا خوض تجارب غير معهودة، تنقيبا عما يكون الزمان. إذ بإصراره على النزول منذ سن مبكرة الى دهاليز المغارات،لم يستطع أن يدرك كنه الزمان فحسب بل تمكن أيضا من ملامسة حقيقته حسيا ، من خلال المدة المعاشة تجريبيا في هذه الكهوف، مستغنيا عن عقارب الساعة و كل أدوات قياس الوقت المعهودة.يكفينا و الحالة هاته أن نستحضر يوم غامر الرجل بالنزول الى مغارة “سكاراسون” المتواجدة على الحدود الفرنسية الايطالية ، متحملا قساوةالبرد و عبء الرطوبة المفرطة، غير آبه بإمكانية اختناقه إثر نقص محتمل في كمية الأكسجين. ففي هذا السياق إذن و اعتمادا على إيقاعات الجسد و ميكانيزمات تفاعله لا غير ،عاش صاحب “خارج الزمان” تجربة نفسية أنطولوجية فريدة، أشبه ما تكون بتجربة العدم، ليخلص بمعية فريقه العلمي الى نتائج غير مسبوقة تقر بوجود ساعة بيولوجية داخل كل منا(تقدر ب24ساعة و 30دقيقة) هي ما يتحكم في الجسد و النفس على حد سواء ،و ذلك عبر معايير دقيقة تشمل كلا من دقات القلب و الضغط الدموي ،حرارة الجسم و عملية الهضم ،طرق التخلص من سموم المواد الغدائية و الجهاز الهرموني ،حدة النظر و نشاط الكليتين ،منطق النمو و الحياة الليبيدية …ليقوض من ثمة طروحات رائد التحليل النفسي ،بحيث أنه خلافا لفرويد الذي مافتئ يزعم وجود نفس ماورائية، يؤكد” سيفر ” وجود نفس مادية . وحيثما كان الأول يتكلم عن علم نفس ماورائي métapsychologie يخص الروح اللا مادية مستندا في ذلك على نهج الاستنباط ،يلح الثاني على علم فيزياء يخص النفس البيولوجية التي تنتظم وفق إيقاعات زمن مادي محسوس؛ زمن بقدرما يسكن الخلايا الحية بقدرما يخترق أبعاد الجسم و النفس معا، طولا و عرضا .