عادة ما تُفسر ظاهرة الزلازل وغيرها من الكوارث الطبيعية كالفيضانات والبراكين والأعاصير تفسيران أساسيان. أحدهما ذو طبيعة دينية كما نجد على سبيل المثال لا الحصر في العقائد التوحيدية الثلاث: اليهودية، النصرانية والإسلام. فيما يتعلق بنظرة الدين الإسلامي إلى الكوارث الطبيعية، فيُفسر بعضها بكونها عقوبة إلهية، وهذا ما يسري على مجموعة من الأمم الغابرة التي ارتكبت الفواحش والمعاصي والآثام، وانحرفت عن جادة الحق متحدية رسالة التوحيد التي جاء بها مختلف الرسل والأنبياء، مثل أقوام نوح وعاد وثمود ولوط وغيرهم. وهناك شواهد متنوعة في القرآن الكريم تثبت هذا النمط من التفسير الديني. نقتصر هنا على الآية 13 من سورة يونس: {وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ وَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ}. وقد تشكل بعض الكوارث ابتلاء من الله سبحانه وتعالى للناس. كما يستفاد من الآية 35 من سورة الأنبياء: {وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ}. وتأتي كوارث أخرى لهدف تحذيري للإنسان، لعله يؤوب إلى طريق الرشد والحق؛ {وَبَلَوْنَاهُمْ بِالحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} الأعراف، 168.
أما التفسير الثاني فهو علمي محض، كما تثبت علوم طبقات الأرض والزلازل، حيث الزلزال يعتبر ظاهرة طبيعية تحدث جراء اهتزازات أرضية ارتجاجية متتالية، وذلك نتيجة حركة الصفائح الصخرية في القشرة الأرضية. ويطلق على الزلزال الرئيس أو مركز الزلزال الصدمة الرئيسة أو البؤرة، وتتبع الصدمات الرئيسة دائما توابع الزلزال أو الهزات الارتدادية التي قد تستمر لأسابيع وشهور وحتى سنوات بعد الصدمة الرئيسة!
وإذا كان العلمانيون واللادينيون يركزون على التفسير العلمي فقط في استيعاب أسباب الكوارث الطبيعية عامة، والزلازل خاصة، فإننا نحن المسلمين نوفق بين هذين التفسيرين، حيث الزلازل ظاهرة طبيعية يمكن تفسيرها بشكل علمي وموضوعي في بعدها المادي الظاهري، غير أنها في الوقت نفسه تحتمل تفسيرا دينيا يربط أسباب وقوعها بالله سبحانه وتعالي بكونه خالق ومدبر كل شيء في الحياة والوجود؛ {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} القمر:49، وهو تفسير ما ورائي تعجز ملكات الإنسان وحواسه المادية عن إدراك حقيقته.
وقد يتساءل البعض عن سبب تناولي لموضوع الزلازل الذي لا يمت بصلة إلى تخصصي الفكري والأكاديمي، وقد يربط البعض الآخر ذلك بالزلزال الأخير المدمر والقاتل الذي شهدته تركيا وسوريا، وأودى بحياة أكثر من 36 ألف شخص؛ رحمهم الله تعالى وأحسن مثواهم وأدخلهم فسيج جناته.
في الحقيقة، يمكن اعتبار الزلزال الأخير في تركيا وسوريا السبب الأولي الذي دعاني لكتابة هذه المقالة، لكن هناك في الوقت نفسه سبب أعمق منه جعلني أنظر في التفسيرات المتعلقة بالكوارث الطبيعية ودوافعها الطبيعية واللاهوتية، وأحيانا الخرافية التي كانت متداولة لدى الشعوب البدائية، وما زالت تحضر في عصرنا الحالي لدى البعض رغم التطور العلمي والتكنولوجي الذي حققه الإنسان.
بينما كنت أتصفح بعض أخبار ومشاهد الزلزال المرعبة الذي ضرب مناطق ومدن مهمة من تركيا وسوريا، وإذا بي أصادف أشرطة يقدم أصحابها هذا الزلزال على أنه مؤامرة غربية ضد تركيا، ويحاولون تبرير هذا الزعم الغريب بكل الطرق والحجج. ويدعى هؤلاء أن الغرب يستطيع التحكم في الموجات الكهروميغناطيسية، لكن هذا غير ممكن على مستوى عمق الأرض حيث تنشأ الحركات الزلزالية التكتونية، بل فقط على مستوى سطح الأرض، كما يؤكد خبراء الفيزياء والجيولوجيا.
وهناك من يزعم أن أوروبا كانت على علم بحدوث هذا الزلزال في تركيا، لذلك حذرت مواطينيها من السفر إلى هناك، لا أعرف من أين يأتي هؤلاء بهذه الأخبار، بينما غابت عمن يعيش في أوروبا!
وأكثر من ذلك، هناك من اعتبر أن تركيا تشكل خطرا على أوروبا والغرب، لأنها ضد الشذوذ الجنسي، وضد دمج الحشرات في المواد الغذائية، وأنها أصبحت قوة اقتصادية كبيرة في المنطقة، وتصنع الأسلحة، وغير ذلك من المبررات الواهية. لذلك فإن الغرب خطط لتدميرها، فما حدث في تركيا ليس زلزالا، بل إنه مؤامرة ضمن مخطط haarp، وهي نوع من الأسلحة الجيو- فيزيائية التكتونية، إنها أسلحة الدمار الشامل التي تستطيع أن تصنع أمطارا وعواصف وأعاصير وزلازل. وهكذا، فإن زلزال تركيا مفبرك ومخطط. لكن ماذا عن زلزال سوريا؟ ثم لماذا لم ترسل أوروبا وأمريكا هذا زلازلها إلى روسيا أو الصين أو كوريا الشمالية؟ أليس هذا التفسير قمة في الخرافة؟ أليس شر البلية ما يضحك؟