كلما اتصلت بحكومتي تقول لي «إن رصيدكم غير كاف لإنجاز هذه العملية المسماة بالحياة.. جدّدوا رصيدكم في أقرب وقت.. وشكرا». وقد نفد رصيدي من الخضر واللحوم والطحين والتفاح والمزاح.. ونفد رصيدي من الكرامة. فمن يدلّني على سوق ممتاز يباع فيه الدقيق الممتاز ممزوجا بحبة الكرامة. فقد تحولت من رجل محبوب وبخير وعلى خير إلى مجرم مطلوب القبض عليّ في أقرب وقت.. وشكرا. رأسي مطلوبة.. يطلبها البقال والخضار والجزار ومول الدار. جيراني قاطعوني.. أقول لهم صباح الخير، فيردون صبّحنا على الله. الديون الثقيلة قوّست ظهري وجعلتني أنحني للعاصفة خوفا وجبنا وقشدة. وحمدا لمن لا يحمد على مكروه سواه أن منحني قدمين قويتين سريعتين تمكّناني دائما من الهروب والنفاذ بجلدي رغم نفاد رصيدي.
وشرطي عليك لإكمال المقال أن لا تشي بي إلى الحكومة حتى لا تسلّم جيبي إلى أصابع اللصوص ذوي الياقات النظيفة البيضاء والأيادي المتّسخة السوداء..ولا خوف عليك يا جيبي والخوف منك أنت يا من جرحت قلبي بقولك يا حبيبي. فلا تحزن يا قلبي الجريح لأن جيبي مليء بالريح.. فدع الريح تصفّر في جيبي ودع اللقالق ترحل.. ودعني أقول لك إن اللقالق طيور ذات كبرياء وأنفة، لذلك لا تبني أعشاشها إلا في الأعالي الشاهقة.. وهي ترحل حزينة لأنها لا تحب العيش إلى جانب كائنات لا تطمح إلى أعلى. وأنا أعيش في الأسفل، لذلك كلما حمل الوادي الحار حملته أغرق وأغرق وأتنفس تحت الماء غير الصالح للشرب، ولسان خالي- شقيق أمي- يردد: « يا صاح راني وسط الحملة».. و يجرفني التيار المائي ويصعقني التيار الكهربائي وآخر فاتورة كهربتني وجعلتني أذرف الدموع.. فما أحلى العشاء تحت ضوء الشموع.. فإذا تعشّيت أطفئ شمعتك وداري دمعتك.
وصفق أو لا تصفق، شغلك هداك، فقد تم استدعائي للتصفيق أمام حانوت سياسي فتح أخيرا باعتباري مصفقا سياسيا شابا، وينتظرني في محطة القطار ببرشيد، مستقبل زاهر في التصفيق السياسي.. لكن زاهر لم يأت للمحطة أبدا.. وكلما سألت عنه يقال لي إنه يحاكم في محكمة الاستئناف بالرباط بتهمة اتهامه لحرمه السيدة الفاضلة زهيرة بخيانتها له مع ابن عمها.. وأصل المشكلة أن زاهر سألها سؤالا بريئا: « ألالة زهيرو منين جاك الصباط منين جاك؟» فأجابت بغضب: « جابو لي ولد عمي اللي فـ الرباط »
من يطلب خدماتي الجليلة، يجدني أمام كل حانوت يفتح ويبيع بضاعته المغشوشة للشباب. فأنا متوفر بكثرة خاصة خلال أيام الموسم. أصفق أمام كل حانوت سياسي، وأردد أحلى الشعارات، وأتفاوض مع رأس الحانوت حول صفقات تزويد الحانوت بكميات كبيرة من الشباب الصالح للاستعمال. وأنا أدعو كل الحوانيت السياسية إلى الاقتصاد في استهلاك الشباب.. فالشباب طاقة ثمينة حافظوا عليها.. وإذا كان هدفكم الحصانة فهدف الشباب الحضانة .. فلا أنتم أدخلتموهم إلى الروض ولا أنتم دخلتم إلى الروضة.. والحصانة هي الحضانة بفارق نقطة إلى السطر.
ولا تنس أنني مصفق عمومي متفان. تم تعييني في بداية مشواري المهني للتصفيق السياسي في الرباط، ثم انتقلت للتصفيق في المدن السفلى الواقعة في أقسى المغرب. وبيني وبينك فقد كان انتقالا تأديبيا لارتكابي خطأ مهنيا جسيما، حيث لم ألتزم بمهنتي كمصفق سياسي عمومي بل كنت أشتغل ساعات إضافية كمصفّر رياضي خصوصي، أقوم بالتصفير خلال مقابلات كرة القدم وكل فريق أصفّر له يدفع لي بالتي هي أحسن حتى لا أصفّر عليه. فلا تلمني رجاء.. المعيشة غالية عليّ وأغلى من نور عينيّ..
يا شباب.. أدعوكم إلى الانخراط في العمل السياسي.. هلموا إلينا زرافات وقردانا.. نحن في انتظاركم.. الحانوت مفتوح طيلة أيام الأسبوع.. لا تنسوا أن تحضروا معكم الوثائق التالية : شهادة القدرة البدنية (لبناء الديمقراطية ) وعقود الازدياد (للتحقق من أنكم بلغتم سن اليأس) وتصريح بالشرف ( لإعطاء تصريحات مشرّفة عن تقدم صناعة الصباط في بلادنا ).. وأنا، يا عباد الله، كلما سألت أحدا عن الصباط يقول إنه صنع في الرباط..