” مشروع قانون “اللجنة المؤقتة” هو تعطيل العمل بالشرعية الدستورية وخرق للمشروعية القانونية “
من أولويات وجود حياة دستورية وقانونية سليمة هو قيام دولة القانون والمؤسسات، لذا يفترض أن تسعى كل دولة نحو تحقيق قانونيتها ولا تتحقق الدولة القانونية ما لم تتحقق جملة من المبادئ والقواعد ومنها الالتزام بمبدأي الشرعية و المشروعية، فالأول يعنى بالهيئات العامة من حيث اختصاصاتها وصلاحياتها، فيما يتعلق الثاني بالقرارات والأعمال الصادرة عنها.
وبقراءة متأنية للمواد الواردة في مشروع قانون رقم15-23 المتعلق بإحداث لجنة مؤقتة لتسيير شؤون قطاع الصحافة . نخلص إلى ملاحظات على مستوى المنهجية والمسطرة في اعداد المشروع وإلى ملاحظات على مستوى المضمون تتعلق بالشرعية الدستورية والمشروعية القانونية لهذا المشروع .
في البداية لابد من إبداء رأي مختصر بخصوص الجدل والنقاش السياسي الذي رافق مشروع هذا القانون وخصوصا الآراء والتعاليق الصادرة من طرف جهات تنتقد مضمون إحداث المجلس الوطني للصحافة وطريقة انتخابه وفي انتظار بلاغ المكتب السياسي للحزب والذي سيتداول في الموضوع ، لابد من إبداء ملاحظات كوزير للثقافة الاتصال سابقا وكذا كأستاذ جامعي.
فبخصوص مسؤولية الحكومة السابقة في إخراج هذا المجلس الوطني للصحافة إلى حيز الوجود ، يمكن دعوة المعنيين بالأمر إلى الاطلاع على مداولات اللجان الدائمة لكلا المجلسين (مجلس النواب و مجلس المستشارين ) أثناء المصادقة على مشاريع القوانين المتعلقة بالصحافة والنشر خصوصا خلال السنة التشريعية 2015-2016 والاطلاع كذالك على المواقف المعبرة عنها آنذاك من طرف الفرق البرلمانية والتي أشادت في معظمها بإخراج هذا القانون إلى حيز الوجود تنزيلا لمقتضيات وأحكام الدستور، وكذا الاطلاع على البلاغات الصادرة عن الهيئات والمنظمات الوطنية الدولية آنذاك وإشادتها سنة 2018 بالانتخابات المتعلقة بالمجلس الوطني للصحافة والتي كان لي شرف السهر على تنظيمها بمقاربة تشاركي ، بمعية أطر الوزارة والهيئات المعنية بالصحافة، تحت إشراف لجنة يترأسها قاضي ممثل للسطة القضائية، والتي مكنت المغرب من الحصول على نقط متقدمة على الصعيد الدولي في حرية الصحافة والتنظيم الذاتي للقطاع الصحفي .
اولا : ملاحظات على مستوى المنهجية والمسطرة المتبعة في اعداد المشروع :
يمكن اختصار هذه الملاحظات في ما يلي :
- الإخلال بالمناهج والمساطر المتبعة في اعداد مشاريع القوانين وخصوصا الإخلال بمضمون المادة 19 من القانون التنظيمي رقم 13.065 المتعلق بتنظيم وتسيير أشغال الحكومة والوضع القانوني لأعضائها :
فأول ما يلاحظ بخصوص هذا المشروع على مستوى المسطرة المتبعة لتعطيل أحكام قانون المجلس الوطني للصحافة هو الإخلال بمقتضيات المادة 19 المشار إليها أعلاه و التي نصت على ما يلي : ” كلما اقتضت الضرورة ذالك و بموجب قرار رئيس الحكومة ، ان ترفق مشاريع القوانين الرامية إلى سن تشريع جديد أو مراجعة تشريع قائم بدراسة حول آثارها .”
والحكومة قامت بالمصادقة على المشروع دون القيام بدراسة حول آثار القانون المنظم للمجلس الوطني للصحافة ، وهو يعد بحد ذاته إخلال بأحكام القانون التنظيمي السالف الذكر والمسطرة الواجب إتباعها.
- الإخلال بضمان الأمن القانوني :
كما هو متعارف عليه في مناهج اعداد القوانين الجديدة ، يلزم دوما تحديد الأساس الدستوري والشروط التي سيتم فيها إدراج المتون القانونية وكيفيات ربطها مع القواعد القانونية الأخرى .
فبخصوص الأساس الدستوري للمشروع يطرح تساؤل جوهري حول إحداث لجنة مؤقتة. فهل يندرج الأمر ضمن مجال القانون أو المجال التنظيمي؟ والسؤال الذي يطرح ينطلق من المرتكز الدستورى المسند إليه مشروع القانون ” اللجنة المؤقتة ”. فإذا كان من الضروري سن قاعدة قانونية جديدة ، فانه من الملزم التأكد من أن القاعدة ذات طابع تشريعي وليس تنظيمي. فهل يندرج المشروع ضمن الفصل 71 من الدستور وفي المجال المتعلق بالحقوق والحريات الأساسية؟، أم ضمن مجال إحداث المؤسسات العمومية وكل شخص اعتباري من أشخاص القانون العام وهو المجال المحدد في الدستور أم لا ؟ ولكن بالرجوع إلى مقتضيات المشروع فهو يهدف إلى إحداث لجنة مؤقتة وبالتالي ليس بشخص اعتباري من أشخاص القانون العام وليس بمؤسسة عمومية، ولا يندرج ضمن مقتضيات باب الحقوق والحريات الأساسية الوارد ضمن الباب للثاني من الدستور وبالأخص الفصل 8 في الفقرة الثالثة منه. وبالتالي كان بإمكان إحداث هذه اللجنة بمرسوم وليس بقانون.
ويجب التذكير أنه في الحالة التي يصعب معها وضع حدود واضحة بين المجال التشريعي والمجال التنظيمي ، يمكن الرجوع وفق الممارسات الدستورية والقانونية الى الفصل73 من الدستور الذي ياذن للسلطة التنفيذية بتغيير النصوص التشريعية من حيث الشكل بمرسوم بعد موافقة المحكمة الدستورية ، فإذا كان مضمونها يدخل في مجال من المجالات التي تمارس فيها السلطة التنظيمية اختصاصاتها ”
- الإخلال بمسطرة معاينة انتهاء ولاية المجلس الوطني للصحافة بقرار معلل منشور بالجريدة الرسمية :
فعلى سبيل الاستئناس كان بالإمكان تطبيق مقتضيات المادة 9 من قانون المجلس الوطني للصحافة في جزء منه الذي نص على مسطرة تعذر المجلس القيام بمهامه، وتنزيلها من خلال نشر السلطة الحكومية المعنية لقرار معلل بانتهاء ولاية المجلس الوطني للصحافة ونشره بالجريدة الرسمية قبل الإعلان عن مشروع قانون بإحداث لجنة مؤقتة .
- الإخلال بقواعد التعامل مع القوانين السابقة و السارية المفعول في حالة وجود قانون ينظم موضوع ما ، فانه وفق القواعد الدستورية يمكن بلوغ الأهداف المنشودة عبر تعديل مقتضياته فقط عوض سن قانون جديد موازي له دون وضع كيفيات التنسيق بين النص الساري المفعول ونص مشروع القانون الجديد ، وهل العبارة الواردة في المادة الأولى من مشروع قانون والتي نصت” استثناءا من القانون 13.90″ كافية لبلوغ الأهداف المنشودة من المشروع واحترام المساطر الدستورية؟.
- الاخلال بقواعد ومنهجية صياغة النصوص التشريعية :
تقتضي ممارسة الصياغة القانونية السعي إلى ضمان الامن القانوني، فالامر يتعلق بسن قواعد قانونية واضحة خالية من اللبس وقابلة للفهم من خلال البساطة وتجنب استخدام جمل وعبارات طويلة التي تحتوي على العديد من العبارات العرضية كما هو ملاحظ في العديد من المواد الواردة في مشروع القانون، مع استغناء المشروع على بعض المصطلحات التي يتم استعمالها أثناء صياغة مشاريع قوانين جديدة، وعدم استعماله للعديد من التقنيات وخصوصا تقنية ”بصرف النظر” والتي تعني ان القاعدة المنصوص عليها تفرض نفسها دون أن تتمكن القواعد الأخرى من عرقلة نفاذها.
6-الإخلال بالأهداف المتوخاة من مشروع القانون الجديد :
المنهجية المتبعة في اعداد النصوص القانونية الجديدة كما هو متعارف عليه قانونيا ، تقوم على تحديد أهداف الإجراء التشريعي بدقة و الخيارات التي يمكن بلوغها ، ويمكن الاكتفاء أحيانا بنسخ مقتضى قانوني ساري المفعول بغية إلغاء قاعدة معمول بها لأنها تطرح بعض الصعوبات . وهذه المنهجية منعدمة في إخراج هذا المشروع.
– على مستوى مضمون مواد مشروع القانون :
اولا : تعطيل العمل بالشرعية الدستورية.
من خلال قراءة متأنية لمواد المشروع نخلص الى استنتاجات هامة ، فهو من جانب تعطيل للشرعية الدستورية ، أي تعطيل العمل بأحكام الدستور وخاصة ما ورد في الفصل 28 من الدستور و كذا الباب الثاني المتعلق بالحقوق والحريات، و هي منهجية غير دستورية وغير مطابقة لأحكام الدستور. فتوقيف العمل بأحكام الفصل 28 الاستقلالية والديموقراطية لمدة سنتين يعني دستوريا التعطيل الدستوري الغير المشروع لان هذا المشروع يهدف إلى تركيز السلطة في يد السلطة التنفيذية عوض الإعلان عن انتخابات ديمقراطية وما يترتب عنه من اعتداء على الحقوق والحريات المضمونة بموجب نص دستوري :
و كما هو معروف فان تعطيل الدستور باعتباره حالة معينة تتحقق على إحدى صورتين :
الصورة الاولى :
يتم ترك أحكام الدستور دون تطبيقها على الرغم من قيامها فتهمل أحكامه و نصوصه ولا تدخل حيز التنفيذ بحيث يكون وجود أحكام الدستور هو مجردا صوريا فقط.
الصورة الثانية :
أن يتم تنفيذ أحكام الدستور ونصوصه بالفصل ولكن ذلك يتم بشكل مختلف ومغايرا تماما عن المضمون الفعلي لها والوارد بالوثيقة الدستورية .
فالفقرة 28 تنص بصريح العبارة : تشجع السلطات العمومية على تنظيم قطاع الصحافة بكيفية مستقلة وعلى أسس ديمقراطية …، فعدم الأخذ بالاستقلالية والديمقراطية هو تعطيل لأحكام الفصل 28 من الدستور وهي الصورة الثانية.
ثانيا : خرق للمشروعية القانونية
وهو ما يسمى بتعطيل النص التشريعي، فمشروع القانون 15-23 سعى إلى تعطيل القانون 90.13 وهو نص موجود بوصفه كيانا قانونيا ومجسدا داخل المنظومة التشريعية، إلا أن المشروع جاء لإيقافه وتعطيله في الحياة الإعلامية وهذا في حد ذاته خرق للمشروعية القانونية وللأحكام الواردة في قانون المجلس الوطني للصحافة ..
فمشروع قانون 15.23 هو مشروع جاء ليعطل نصا قانونيا قائما من خلال تضمين أحكاما جديدة تخالف أحكاما قانونية قائمة وواردة في مضمون القانون رقم 90.13 من خلال تنصيص المشروع على عبارة استثناء الواردة في المادة الأولى، فهو لا يشير إلى التعطيل بصريح العبارة أو إلغائه وإنما أردف النص بعبارة غامضة و مبهمة كافية للقول بالتعطيل القانوني وخرق للمشروعية القانونية .
– تغليب الباعث السياسيى في ثنايا المشروع:
فالسلطة الحكومية ومن خلال مقتضيات المشروع حاولت ان تفتح اوراشا لسن تشريعات جديدة وفي نفس الزمن والوقت أيضا و خصوصا بعد إصدارها خلال شهرين لمرسوم قانون رقم 53.22 والصادر بتنفيذه الظهير الشريف بتاريخ 10 فبراير 2023 و متبوعا حاليا بمشروع قانون جديد رقم 15.23. و هذا معطى سلبي يؤثر بشكل كبير في بنية هاته النصوص التشريعية ، ويستنتج من هذا الأمر ان الهدف بالدرجة الأولى باعث سياسي ، وإغفال بذالك المصلحة العامة والمشروعية القانونية لحرية الإعلام و التنظيم الذاتي للقطاع و الذي سيتحمل تبعاتها لزمن بعيد فالمصلحة السياسية ظهرت من خلال التخلص من عبئ القانون القائم دون أن تعير السلطة الحكومية اثرها السلبي على الحقوق والحريات وخصوصا حرية الإعلام والصحافة.
الخلاصة العامة : أن مشروع قانون ”المتعلق بإحداث لجنة مؤقتة” غير مبرر دستوريا وقانونيا وسياسيا . وهل من صلاحيات المؤسسة البرلمانية المصادقة على اللجان المؤقتة وإنهاء مهام المؤسسات القائمة دستوريا وقانونيا طبقا لأحكام مقتضيات الفصل 71 من الدستور؟ أم ستلجأ السلطة التشريعية إلى تفعيل مقتضيات النظام الداخلي و التي تنص على مسطرة الدفع بعدم القبول الذي يكون الغرض منه الإقرار بأن النص المعروض يتعارض مع مقتضى أو عدة مقتضيات دستورية ؟
*وزير الثقافة الاتصال الاسبق وأستاذ جامعي