رنَّ الهاتف النقال، وجاءني الصوت، غير الغريب، يُخْبرُني ب “التعيين” في “اللجنة الخاصة بالنموذج التنموي”. طلبْتُ بعض التوضيحات. أجابني الصوت/”رئيس اللجنة”، بأن التعيين هو ب “الصفة الشخصية” وليس الوظيفية، ولا علاقة له بالمسؤوليات. قُلتُ له، صادقاً، إنَّ خِبْرتي تظل متواضعة، ومحدودة باعتبار أهمية الموضوع، وشموليته، وحساسيته؛ وأن هناك، بالتأكيد، من باب الاختصاص، مَنْ هُمْ أكثر أهلية مني، ومَنْ هُمْ كعْبُهم أعْلى. جاء الردُّ لبقاً، وأوْمأَ إلى أن اللجنة تتكوَّن من خبرات مغربية مختلفة، يُكمِّل بعضُها بعضاً، تُغطي أهم مناحي التنمية، وأنها (اللجنة) سوف تشتغل وفق منهجية “البناء التشاركي”، و”الذكاء الجماعي”. فلا خوف. وأضاف قائلا : هي خدمة وطنية، عمل تطوعي، بذْل طوعي، كلٌّ حسب جهده، ووقته، ودرايته. طلب مني الكتمان حتى الإعلان الرسمي عن اللجنة، وانتهت المكالمة. جرفتني للتو مشاعر مُبْهمة، متضاربة من التهيُّب، والتحسُّب. تقلَّبتُ طويلا على الفراش قبل أن يأخذني النوم.
في رواية اللجنة لصنع الله إبراهيم يحاول البطل/الراوي، وهو شخصية غير معلومة، عبثاً أن يُقنع اللجنة برؤيته. منذ الجلسة الأولى يداهمه إحساس غامض بأن أعضاء اللجنة في واد، وهو في واد. يدخل معهم في صراع، وسرعان ما يدرك أن العلاقة غير متكافئة، وأن رهانه لا محالة خاسر. رؤية البطل/الراوي تقوم على فرضية الإمبريالية. للمنظومة الليبرالية، في ظنه، أوْجهٌ متعددة، اقتصادية، تكنولوجية، سياسية، جيواستراتيجية وعسكرية، بها تعيد الإمبريالية إنتاج شروط الهيمنة والتبعية. علامة كوكاكولا لوحدها تختزل الانهيار الشامل الذي يطال كل الأصعدة، الاجتماعية، الأخلاقية، والقيمية. الراوي/البطل هو المفرد والجمع، الذات والموضوع، المستكين والمتمرد، المتماسك و المُتمزِّق، المُناصِر لسلطة العقل و المُمانع لخراب الروح.
تنتهي فصول الرواية بنهاية البطل، وهي نهاية فردية/جمعية، تنفيذٌ ذاتي لحكم غير منطوق. يقول المؤلف/الراوي/البطل في الصفحة الأخيرة من الرواية : « مضيتُ أُنْصِت للموسيقى التي تردَّدتْ نغماتُها في جنبات الحجرة. وبقيتُ في مكاني، مطمئناً منتشياً، حتى انبلج الفجر. عندئذ، رفعتُ ذراعي المُصابة إلى فمي، وبدأْتُ آكل نفسي ».
عندما انبلج الصباح، تبدَّت لي المهمة الصعبة، التي تنتظرني، مهمة ممكنة، تهون بالتهوين. قلتُ مع نفْسي: سأُدْلي بدلْوي مع الدالين، لوجه الوطن، لا مأرب لدي فيها، لا ناقة، ولا جمل، ولا أبغي من ورائها جزاءً ولا شكوراً.