صديقات وأقارب يقيمون بأوروبا يسألونني مرارا عن الأضحية هل يجوز التصدق بقيمتها للفقراء، وأغلبهم ينوون أو اعتادوا إرسال ثمنها إلى عائلاتهم بالمغرب لينوبوا عنهم في تبليغها لمن يستحقها ممن لم يجد مالا لشراء الأضحية.
أقول لهؤلاء، إن الأضحية شعيرة من شعائر الله يجب أن نعظمها نحن المسلمون، والمسلم الذي يستطيع ذبح أضحيته الأولى أن يفعل ذلك بنفسه تعظيما للشعيرة وقربة لله، وذلك أفضل من إنابة غيره جزارا كان أو غيره، ومن استطاع أن يختار المليح من الأغنام وتوفرت له ظروف اختيار المواصفات المذكورة في السنة فليفعل تعظيما لله وشعائره، ومن لم يستطع أن يختار ما اجتمعت فيه مواصفات السنة جاز له أن يضحي بما يناسب قدراته وما توفر له، وإن كان المتوفر عنزة أو شاة، ومن لم يستطع فلا شيء عليه، وعدم الاستطاعة قد يتعلق بانعدام القدرة المادية، وفي هذه الحالة قال بعض العلماء يجوز الاقتراض لمن يقدر على سداد الدين، ومنهم من لم يجوزه. وعدم الاستطاعة كما يتعلق بالقدرة المالية يتعلق بعدم توفر الظروف المناسبة للقيام بهذه الشعيرة، ومن ذلك عدم توفر الأضحية أو نقصها في الأسواق لسبب من الأسباب، أو وجود مانع قاهر لا يمكن معه القيام بالشعيرة.
هذه المعطيات التي ينبني عليها الحكم الشرعي في هذا الباب لا يختلف فيها المغرب عن غيره، وفي فرنسا أو إسبانيا أو ألمانيا إذا كان المكلف بالغا قادرا على شراء الأضحية وتوفرت له ظروف الذبح في بيته فليفعل ذلك إذا سمحت به القوانين، وإن لم يستطع، وهذا هو الذي عليه الوضع هناك، فليفعل في الأماكن المخصصة، وإن لم يستطع الذبح بنفسه، وهذا هو المعروف هناك، فليوكل غيره جزارا كان أو غيره ممن يقوم بالمهمة من المسلمين، وليستلم ذبيحته ثم يتصرف فيها بالأكل منها والصدقة، وهذا ما تنص عليه السنة، ومن لم يستطع استلامها لسب من الأسباب، جاز له تكليف غيره من الأشخاص والمؤسسات التي تقوم بتوزيع اللحوم على الفقراء، والفقراء أنواع، ولا يعدمون حتى في الدول الأكثر تقدما كأمريكا، ومن الفقراء أولئك الطلبة الذين يعانون في صمت ببلاد المهجر ولا يسألون الناس إلحافا، والمهاجرون السريون الذين لا يستطيعون الإعلان عن أنفسهم بسبب وضعيتهم غير القانونية، ويأملون أن تسوى بغيرهم من المواطنين والمقيمين، وهؤلاء يحرمون من فرحة العيد من ناحية الحاجة ومن ناحية الغربة الاضطرارية.
أرى أن إخواننا من المغاربة الذين يقيمون في الخارج ويعيشون حالة الاستقرار المادي لا تعوزهم المادة للقيام بالشعيرة في الغالب، ولا تنقصهم المعطيات اللازمة للقيام بها، وإن كان ذلك في الحدود الدنيا مما هو مطلوب شرعا، وأما الاحتجاج بأن بلد الإقامة غير إسلامي، والإجراءات غير يسيرة وفيها تعب، والسكن غير مناسب لأن الجيران غير مسلمين أو غير ذلك، فكل ذلك ذرائع واهية يتذرع بأمثالها أيضا كثير من الميسورين بالمدن الكبرى بالمغرب، الذين يختارون التوجه إلى المنتجعات السياحية بدل الانخراط مع إخوانهم في فرحة العيد والقيام بالواجبات المتعلقة به، ومنهم من يفعل ذلك عن قناعات فكرية لا دينية، ومنهم من يفعل ذلك وهو ميسور ظنا أنه يصطف في جانب المتحضرين وليسوا في نظره سوى إخوانه الفرونكوفونيين الذين تربوا بعيدا عن الدين، قريبا من الفرنسيين والمتفرنسين، ومنهم من يفعل ذلك وهو ميسور، يصوم ويصلي ويزكي، ولكنه لا يرى “روينة” عيد الأضحى فعلا مناسبا لأنه يسويه مع عامة الشعب ويبعده عن فئته الاجتماعية، ويفضل بدل ذلك أن يقدم المال سخيا ليكفيَه مؤونة هذا التكليف.
من كان يريد الدين والقربات فهذه شعيرة من شعائر الله، والله تعالى يعلم سرائر الناس، فمن حالت دونه الحوائل فإن الإمام يضحي عنه وعن غيره، ومن لم تمنعه الموانع فما ذلك منه إلا تقصيرا كما يقصر الناس في باقي الشعائر والتكاليف الدينية والواجبات التعبدية. وليعلم من قصرت بصيرته عن إدراك مقاصد الأضحية أن الشعائر مهما ظهرت له عادية فإنها تنطوي على غايات مقصودة، فإذا انصرف الناس عنها بسبب الذرائع والتبريرات المختلفة سيسبب ذلك في قطع السبل إليها، والإِلْفُ في إهمال الشعائر الدينية يوشك أن يأتي على مظاهر التدين جملة، وقد نقصت أصلا في الناس. ومما أذكره من أقوال أستاذنا الدكتور فريد الأنصاري رحمه الله حين سئل يوما عن صلاة الجمعة التي لم تعد تحقق مقصدها في الاستنهاض والتوعية الدينية المناسبة كما قال السائل، أجابه بما يليق من توجيه ثم أعقب ذلك بقوله: احفظ مقامك في المسجد لغيرك من أحفادك المستقبليين فقد تتبدل الظروف التي تراها اليوم غير مناسبة وستكون أنت سبب فراغ المساجد وتعطيل الشعيرة.
أياما مباركة أرجوها للجميع.