كتب: محمد بوخزار .
السياسة، بمعناها الشامل والنبيل؛ هي قوت المجتمعات، مهدؤها، وعلاجها من الأزمات التي تعترض مسارها وسبيلها.
ليست للسياسة فيها، مواسم ومواعيد مظبوطة، محددة سلفا وبصفةدائمة؛ على اعتبار ان المشتغل بالسياسة، يهيئ نفسه قبل أن يخوض غمارها؛ ليكون جنديا، مرابطا في ثكناتها؛ في وضعية استنفار، مستعد للمواجهة والقيام بما هو مفروض فيه وعليه من واجبات ومسؤوليات.
ولذلك، فإن البيئات السياسية المتقدمة في البلدان الديمدوقراطية؛ لا تقدس، أمام المصلحة العليا؛ أجندات العطل ومقتضيات الراحة والاستجمام، خلال العطل المستحقة؛ إن تعرض النظام السياسي فيها، لمستجد طارئ، يستوجب تصحيح الوضع، بإجراءات مستعجلة، ينص عليها الدستور ؛ من قبيل تقديم موعدالاستحقاقات الشعبية، الوطنية أو الجهوية، لاستفتاء الناخبين بخصوص مواصفات حكومتهم وبرنامجها..
في هذا السياق، يمكن اعتبار إسبانيا، في طليعة الدول المستعدة، باستمرارلمواجهة الطوارئ والمفاجئات؛ لعدة أسباب منها، حداثة تجربتها الديموقراطية، وفتوة زعاماتها ونخبها لحزبية ؛ وكذا تعددية للرأي فيها، مستوعبة للنزعات الايديولوجية والانتماءات الهوياتية ، بل حتىالعرقية؛ ينظمها دستور متوازن، ما زال الفقهاء والمختصون، يعتبرونه وثيقة مثلى، صيغت بمهنية عالية، وبعد نظر الذين حرروها، وكانوا قامات فكرية وأكاديمية رفيعة؛ فحين أسندت Yليهم المهمة، لم يكن بينهم ناشطون حزبيون مزايدون، من يتسببون، بشعبويتهم المفرطة في متاعب لمجتمعاتهم في ظروف الانتقال ( نموذج الدستور التونسي في أعقاب الربيع العربي).
الدستور النموذجي، كما هو حال الاسباني، لم يفصل في الجزيئات الفئوية؛ بل أرسى الأسس الكبرى وحدد قواعد الممارسة الديموقراطية، المتسمة المتجاوبة مع التجارب التاريخية لكل بلد؛ تراعي الخصوصيات وتستفيد من المدارس والاجتهادات الفقهية في العالم.
وعلى الرغم، من أن الإسبان شعب حيوي، كثير الاستقطاب الإيديولوجي، ميال بوجدانه إلى اليسار؛ فإن الدستور الحالي، استبق إجمالا، أصعب الاشكالات والنوازل السياسية المحتمل وقوعها؛ متماهيا مع التيارات الفكرية والمذهبية المعتملة في المجتمع، المتشبثة بمطالبها، في إطار الحوار السلمي بين باقي الأطراف.
لذلك، يبدو مثيرا للاعجاب، انتقال النظام السياسي الاسباني بسلاسة، من نمط الاستبداد المطلق، في عهد الديكتاتور “فرانكو” إلى ملكية برلمانية متطورة، على نمط شمال أوروبا، مستوعبة، بفضل بنية الدستور، لتطلعات الشعب والكثير من انتظارات القوميات.
وفي هذا السياق، يعتبر نظام الحكومات المستقلة، نموذجا ناجحا، في تنظيم العلاقة بين مفاصل السلطة المركزية في مدريد، والصلاحيات الواسعة الممنوحة للحكومات المحلية. وباستثناء خلافات عادية، على حصص الميزانيات والعدالة الضريبية ؛ فإن الأمور تسير سيرا معقولا .
ولا يطالب بتغيير الدستور الحالي إلا معتني الأفكار الفوضوية، المناهضة للملكية، من يسمون : “المناوءن للنظام Antisystems.
وبناء على الاعتبارات السالفة، ستخرج إسبانيا لا محالة، من أزمتها الحكومية الحالية؛ باعتماد منطق الضرورة؛ عبر ثلاثة احتمالات: حكومة ائتلاف، بلون يساري أو يميني؛ بينما ينحصر الاختيار الثالث في إعادة الانتخابات التشريعية والتي قد تجرى في عز فصل الشتاء. المهم أن الآلة السياسية، لا تكف عن الدوران، على مدار فصول السنة؛ ما دامت في البلاد حيوية سياسية ويقظة شعبية ودستور يؤطرها وينظم العلاقات بين السلطات والفاعلين في الفضاء العام.
. من أسرة كتاب رأي “كش بريس”