يكتبها: د محمد فخر الدين
3 ـ وحش الفلا
أصبحت قمرية هي الحاكمة لليمن وذاقت لذة الحكم ونشوة السيطرة فطغت وبغت وعاقبت من غير ذنب.. ومرت الأشهر و جاء أوان ولادتها فولدت غلاما جميل الصورة له شامة خضراء على خده ، ففرح الشعب بقدومه ..
وأما ما كان من أمر قمرية فقد كانت غير سعيدة لأنها كانت خائفة أن تفقد سلطتها وحكمها بسبب هذا الابن ، فقررت أن تعجل من الدنيا مرتحله ، فكانت لا ترضعه حتى يسرع إليه المرض ويهلك في الحال ..
فلما كبر الطفل قررت أن تضع لحياته حدا، وكانت تريد أن تقتله بالسيف لكن يدها تصلبت فجأة..
فأشارت عليها خادمتها أن تتخلص منه في البراري والقفار لتلتهمه الضواري والوحوش ، وغافلت المربية قمرية فوضعت عقدا من الجواهر و كيسا من النقود في ثياب الغلام ..
وتركتاه في البرية ثم عادتا إلى القصر.. ولبست قمرية الحداد وتظاهرت بالحزن على ضياع وليدها ، وحزن الجميع على فقدان ابن ملكهم ذي يزن ..
وكانت تعيش بالقرب من المكان غزالة مع خشافها فحنت عليه وأرضعته..
وكان أن ظهر صياد كان يطارد الغزالة ، ففزعت وهربت وانتبه الصياد لبكاء الغلام..
فوجده تحت شجرة ظليلة وإلى جانبه صرة فيها كيس الدراهم وعقد الجوهر فتعجب من ذلك غاية العجب ..
وعاد الصياد الى بيته وذهب بالغلام إلى حاكم من حكام ملك الحبشة يقال له أفراح ، الذي كان لا أولاد له ، فألقى الله محبته في قلبه فقرر أن يحتفظ به وأن يتخذه ابنا له … وفي تلك اللحظات حضر الحكيم سقرديوس في موكبه وكان سحارا مكارا لا يصطلي له بنار فلما نظر الغلام ورأى الشامة التي بخده الأيمن، أمر بقتله في الحال وإنقاذ حكم الحبشة من الزوال كما ذكرت الكتب والملاحم القديمة.
وبينما هم في ذلك الأمر وعلى تلك الحال وإذا بالزغاريت تسمع في القصر من أعلى مكان فلما سال الحاكم أفراح عن ذلك، قالوا له إنها بشارة الأفراح و وزوال الهموم والأتراح، فقد ولدت زوجته بنتا ذات حسن وجمال و على خدها خال كالذي على خد الغلام …
فلما سمع سقرديوس هذا الكلام صار الضياء في عينيه ظلام ولطم رأسه ومزق جميع ثيابه ونتف لحيته لأنه كان يعلم أنه متى التقت هاتان الشامتان كان حكم الأحباش في خطر… لذلك طلب من أفراح أن يقتل ابنته في الحال ، لكن أفراح رفض هذه الأقوال..
وربى بنته وكان قد سماها شامة ، كما ربى الغلام في أحسن الأحوال ، وسماه وحش الفلا أي وحش الفلاة لأنه تم العثور عليه في البراري والقفار والفلوات ..
وفي يوم من الأيام سمعت مربية الغلام صوتا مرعبا يطلب منها إحضاره في الحال ، فلما أحضرته اختفى عن الأنظار فأخبرت أفراح فاغتم لذلك ، أما سقرديوس فقد فرح بالتخلص من وحش الفلا إلى الأبد.
في الغد حكاية أخرى بما سيحدث لوحش الفلا ـ
ـ الصورة من الأرشيف Genios Y Demonios ـ