يفترض أن يطلق لفظ “الصهيوني” على كل من يتبع الحركة اليهودية المعاصرة، التي تهدف إلى احتلال أرض فلسطين التاريخية وجعلها وطنا قوميا لليهود الشتات. وكما جاء في قاموس المعاني: “جعله صهيونيًّا” أي: ”تصدى العربُ بشّدة لمحاولات “صَهْينة” بعض أجهزة الإعلام العربيّة”. وهو مربط الفرس في التأليب المعادي والتألب على الخصم المعاند.
ومن هذا الافتراض ينتج الدال على ترسخ “الصهيونية” ومذاهبها المنسوخة من الكتب المقدسة المحرفة، والتي صاغت فكرها من بروتوكولات حكماء صهيون الشهيرة.
لكن، ما الذي يزجي “المتصهين” إلى معتقدات تدميرية واضحة للعيان، ليس أقلها التخويف والعنف والسيطرة والاستعباد؟
يدعو الصهاينة كما هو معروف، إلى تسخير الحرية السياسية من أجل السيطرة على الجماهير، ويؤمنون بأنه “يجب أن نعرف كيف نقدم لهم الطعم الذي يوقعهم في شباكنا.”، ويمتلكون للوصول إلى أهدافهم، كل الأدوات لتحقيق مبتغاهم، من أموال ووسائل إعلام ولوبيات اقتصادية وأسواق بشرية وهلم جرا …
ومن المفارقات، أن يكون لهؤلاء أتباع ومريدون، وخدام وكهنة، وتجار أصحاب مصالح وجواسيس مخبرون، يناصرون أفكارهم وسياساتهم، ويبرمجون وفقا للحاجة والخطة.
وهو ما يعزز انتشار الآفة، ليس فقط في البلاد المحتلة، التي انصهرت بأسافينها في بؤبؤ الأرض وجدورها وآفاقها، بل في كل بقعة عالمية وتحت كل سماء عصية.
وتحت التأثير المحير لمنهاج الصهاينة، في احتواء الأنفس وتجويعها وتوجيهها وتطويعها، يصير المستعبد قطعة من حديد، وقالبا من سفاة، يرعوي في الحد الذي وضع فيه، ولا يخرج عند الأمر مهما تبين له موقع المصير؟.
لهذا “يتصهين” التبيع الحيواني الغريزي، فيوثر المادة على الدين، ويوهم الوصل المعدوم بالقبض المجذوم، ويتلهى بما هو قمين بالخيانة، دون أن يعي كيف يبرح قيمة لا تتيه عنها حجب المرائي، ولا تستوفيها أمجاد الوفاء.
وقد رأينا كيف يستشكل الأمر عند البعض، فلا يملك لنفسه معصما، ولا يتجاسر على العودة إلى الأصلح في الأمرين، دون أن يقف ما بين الصفين. كمن يسأل نفسه، وسط الإعصار: هل أملك لنفسي من الأمر شيئا؟ ، إذا آثرت الوقوف ضد التاريخ، فمن لي بنصر لا يبلى وعز لا يفنى وآثار ذكر لا تمحي؟.
كقول المتنبي:
كَرَمٌ في شَجَاعَةٍ وَذَكَاءٌ ……………. في بَهَاءٍ وَقُدْرَةٌ في وَفَاءِ
لا يملك ذاك أن يكون خِنَّوْتا، أو جائرا لا يستفيد من عبر الذكر وهنات السير. قال شاعر آخر:
خانوا فخانت رماح الطعن أيديهم ……….. فاستسلموا وهي لا نبع ولا غرب
وربما يكون لوقع الرماح، وموطئ الاستسلام على أهابها، وجه مسفر قطوب، يجافي وينافي، يقلب وينشب، يعادي ويستعدي. ومنه يعسر التحليل والتأويل. والحالة تلك، أصابتنا بالصدمة، في موقعة الشاعر الفلسطيني سليمان دغش، الذي كال مشهد موت حفيده المقتول في غزة، مشاركا في إبادة شعب غزة مع المحتل الصهيوني، (كاله) بميزابين، دون أن يجف له رمش عين، أو رمانة فؤاد؟.
وأحيانا يكون الصمت جوابا على إدراك جوهر المعرفة والتأمل والتفكير، أو هو إبداع في لحظة الصفاء والتدبر، لكنه هنا في اختيار الدغش، تحديق متلعثم وسقوط متشكك، وخفوت مبطن إلى لغة العتمة. وقد استجابت كل هذه العناصر، لمعنى قوله وهو يرثي قريبه الصهيوني، أمام تابوته المغطى بالعلم الإسرائيلي، : “كيف لنا أن نصدق أنك رحلت عنا، ولم نتمكن من وداعك وتقبيل جبينك العالي قبل أن تفارقنا. كيف لي أن أستوعب، وأنت حفيدي الأول، أن أحمل نعشك الطاهر، وأن توارى الثرى قبلي”.
قد ننظر بعين أخرى، غير مبصار السياسة، وقد ينفذ إلى ضلوع أحاسيسنا شيء من دهشة الغامض، أو بضعة من أقيسة الألم، في غير تحيز أو تعثر هوى، لكن المشاهد الجنونية لأقرب ما يصل لنا من هناك، حيث إبادة الشعب والشجر والحجر، ستعيد السكة إلى الوعي، وتميط المجاز الموشوم ببلاغات الدم والنار والشياطين …
ما بين “الصهيوني” و”المتصهين” أوثاق ومسامر مثبتة على حائط التاريخ، لا يمكن إخفاء معالمها المنحوتة على صرع الأهوال والكوارث الحربية المتعاقبة، ولا يستطيع كائن من كان أن يعيب نقيصتها، ويكرع أوصابها ومنافضها، دون أن يفتك بشعرة العدل ونبوة البرهان. يقول المعري:
العَدلُ صَعبٌ، وكلّما عدَلَ الـ ……… ـإنسانُ عن عَدْله، امترى ثِقَلَهْ