مؤسسات استطلاع الرأي، ناشطة بإسبانيا في هذه الأيام . وكلما أتت توقعاتها قريبة من نتائج الصناديق؛ إلا وحازت ثقة أكبر ومصداقية لدى الرأي العام. هي تنبه الأحزاب المتنافسة إلى ضرورة مراجعة خططها وبرامجها الانتخابية، وكذا أساليب الإقناع والتواصل مع الكتلة الناخبة. وهي المتحركة والمتمايلة باستمرار، ذات اليمين وذات اليسار، تمشيا مع حركية المجتمع؛ وحيثما توجد جهات وقوى الاستقطاب الانتخابي؛ وبالتالي فإن مراكز الاستطلاع ؛ سواء أخطأت او أصابت في تنبؤها؛ فأنها لا تلام او تنتقد . بل يتعامل معها السياسيون بسخرية وحذر؛ كونها أصبحت عنصرا مؤثثا لللمشهد الانتخابي. يقرأ المتنافسون رهاناتها الحسابية، بيقظة وانتباه. فقد تكون طالع خير أو شر.
وفي هذا السياق، وبالنظر إلى ضيق فارق الزمن بين موعدي الانتخابات المحلية التي أجريت نهاية الأسبوع الماضي، بإقليم “كاتالونيا”، وتلك التي تنتظرها دول الاتحاد الأوروبي، وضمنها إسبانيا لانتخاب برلمان “ستراسبوغ”؛ يوم 12 يوتيو المقبل؛ فإن تقارب موعدي الاقتراع في إسبانيا، ضاعف؛وتيرة عمل مؤسسات الاستطلاع؛ لعلها تعزز مصداقيتها ؛ علما أنها تستفيد من مراقبة بعضها، بخصوص إعادة النظر في ترسانة الأسئلة الموجهة إلى المستجوبين.
وكما هو معلوم ، فإن “سبر الآراء” أصبح معرفة قائمة الذات، تتنافس مدارسها واتجاهاتها في تجريب أساليب وتقنيات مبتكرة، دون الخوف من الوقوع في الخطأ وسوء التقدير.. وكل نتيجة تتوصل إليها ، عبر منهجيات معينة ، هي في حد ذاتها، محفز على التعديل والتعمق في ذات المنحى.
وعلى سبيل الاحتياط الإجرائي، فإن مؤسسات الاستطلاع تنطلق عادة من فرضيات متجددة. وهكذا، ففوز الاشتراكيين في الانتخابات المحلية بكاتالونيا؛ لا يعني تكرار نفس النتيجة لصالحه في تشريعيات البرلمان الاوروبي؛ اذ يواجه المستطلع ثلاثة احتمالات: تأكيد النتيجة، تراجعها رأسا على عقب؛ أو مخالفتها لكل ما سبقها ، وإفراز معطيات سياسية جديدة مفاجئة وقد تكون صادمة.
المنطق الطبيعي ، طبقا للجو العام السائد حاليا في إسبانيا.، يرشح الاشتراكيين واليسار إلى تحسين تمثيلهم في البرلمان الأوروبي، انسجاما مع توقعات مماثلة بالنسبة لدول أور وبية أخرى؛ تلك التي انتقض فيها الرأي العام، ضد سياسات المفوضية الحالية في بروكسل، بخصوص الدعم المسرف لاوكرانيا، والذي أخل بتوازنها الاقتصادي . يضاف إلى الورطة في أوكرانيا، الموقف غير العادل، لدول أوروبية من جريمة غزة .
في كل الأحوال؛ كل حزب في إسبانيا ؛ وطني أو محلي التوجه، يطمح إلى تحسين حظوظه.
والراجح أن رضى الناخب الاسباني، عن الحكومة الاشتراكية ؛ كونها ضمنت له : اقتصادا متينا مع نسبة متدنية في التضخم والبطالة . أما المكسب الثالث، وهو ثمين، فيتمثل في تهدئة الأوضاع في كاتالونيا، والباسك وغيرها من الأقاليم ذوات النزوع الانفصالي، في أجل غير مسمى.