ـ مدرس الأدب الإنجليزي بكلية الآداب المنصورة. مصر ـ
……
لماذا أحبُّ قراءة الشِّعر والإنصات إليه ، وترجمته إلى اللغة التي أتقن وهي الإنجليزية أو من الإنجليزية إلى العربية ؟
هل لأنه يصل إلى أعمق نقطةٍ في الذات ، هل لأنَّ البوحَ فيه مُكثفٌ ويختزلُ الكثيرَ من المشاعر في سطورٍ معدودةٍ؟ تساؤلاتٌ لا أعلمُ إذا كنتُ أعرفُ الإجابةَ عنها أم لا ؟
كلُّ الذي أعرفُهُ جيدًا، أنني أحبُّ القصيدةَ ، وأحبُّ صياغةَ الحُبِّ فيها، وغموضَها في أحيانٍ كثيرةٍ، أحبُّ تدفقَ كلمات الفرح والحُزن فيها ، أحبُّ الشاعرَ عندما يتغزَّل في حبيبته في لحنٍ شعريٍّ متفردٍ، أعشقُ تفاصيلَ القصيدةِ من وزنٍ وقافيةٍ وإيقاعٍ وموسيقى ، أحبٍُها حُرَّةً تارةً ونثريةً تارةً أخرى، أحبُّها بكلِّ أشكالها وأنواعها، وأحبُّ ترجمتها أيضًا وتحويلها من لغةٍ إلى أخرى ومن ثقافةٍ إلى أخرى، أستمتعُ بالانغماس داخل كلمات القصيدة ومعانيها لأحوِّلها إلى نصٍّ جديدٍ مُترجَمٍ، أحبُّ عمليةَ التحويل وأستمتعُ بها، أحبُّ إعادةَ خلقها بكلماتٍ جديدةٍ مُنتقاةٍ برُوحي وإحساسي وحدْسي ، وأضفي على النصِّ بعضًا من الحُرية والتحرُّر ،كي تتنفس ، أحبُّ قصص الشُّعراء والشاعرات، أعشقُ القصصَ الملهمةَ التي تحثُّ على الحياة والعمل ، أعشقُ الانتصارَ على الحُزن ،
وقصصَ الحُبِّ المنتصرة ، أحبُّ البوحَ والكشفَ عن المسكوتَ عنه، أجدُ الجاذبيةَ في الغموضِ وأهوى الكشفَ عنه وتأويله ، لا أعرفُ لماذا أكتبُ هذا الكلامَ ، ربما هو نوعٌ من مواجهة الذات لمعرفة سبب حُبي للشِّعر وبعد كل ما كتبتهُ لم أشعر أنني عرفتهُ ، يقولون دائمًا إن الحُبَّ الحقيقيَّ يحدثُ من دون أسبابٍ ، إذْ هو إحساسٌ فطريٌّ ليس فيه منطقٌ أو عقلٌ وربما ينطبقُ ذلك على كل أنواع الحب ومنها حب الشعر .رُبما .
……
أحيانًا أرغبُ في الكتابةِ ولا أستطيعُ كتابةَ حرفٍ واحدٍ ، ولا أدري هل هذا عجزٌ أم اضطرابٌ أم تدفُّقُ أفكارٍ ومشاعر ليس لها حدودٌ ، لا أدري، أشعرُ حينها كأنَّ الكلمات احتبست داخلي ولا يوجدُ منفذٌ ، أشعرُ بالاختناق والغُربة حتى عن نفسي ، فعندما أكتبُ أتعرَّفُ نفسي أكثرَ وأكشفُ عن ذاتي أكثرَ ،وأنطق ما أخفاه قلبي عنِّي بعيدًا حتى لا أبوحَ به ، لا أدري ما الذي ينتابني حينها ، شُعورٌ مختلطٌ وغريبٌ ، وتدفُّق أفكار وعجز عن البوح في آن، أصمتُ قليلًا لعلَّني أستطيعُ أن أعِينَ نفسي وأكتبَ ، وأحيانًا أخرى ألجأ إلى النَّومِ لعلَّني أسترجعُ نشاطي وطاقتي لأكتبَ، ولا فائدةَ من كلِّ ذلك.
بعد كل هذه المحاولات أجدُ نفسي أكتبُ ليس بسبب لجوئي إلى النوم ،أو لأنَّني لجأت إلى الصَّمتِ أو السُّكوتِ ولكنها لحظةٌ إلهيةٌ مقدَّسةٌ ليس لها علاقةٌ بشيءٍ دنيويٍّ، لحظةٌ أواجهُ فيها نفسي التي أهربُ منها أحيانًا لعدم رغبتي في مواجهتها ،لكنَّها مواجهةٌ مُهمَّة أعلن فيها عن انتصاراتي وخيباتي في الحياة وأتذكَّر ما خسرته ، وأجدُهُ كان يستحقُّ الخسرانَ وأطمئنُّ وأجدُ نفسي في الطريقِ الصحيحِ الذي يؤدِّي إلى الأحباب والأمان والحُب.