1 ـ الإسلامُ في قَفص الاتّهام، التربية الإسلاميّة في قفص الاتهام، العربيّةُ في قفص الاتّهام، المسلمونَ في قفص الاتهام، مقاوَمَة العَدوِّ في قَفَصِ الاتهام… هانَت عليْنا ذاتُنا فهُنّا عند العدوّ؛ ومَنْ هانَتْ عليه نفسُهُ فَهُوَ عَلَى غيرِهِ أهْوَنُ، ومن كَرُمَتْ عليه نفسه هانت عليه شَهواتُه وأمراضُه وأعراضُه وقدَّم الأهمّ على الأعراض وقدَّم مصلحة الجماعة على مصلحة النفس، تسلَّ عن كلِّ شيءٍ في الحياةِ فقد يهونُ بعد بقاءِ الجواهر العَرَضُ. هانَت عليْنا أصولُنا وخَلَت نفوسُنا من قيم اعتبار الذّات فهُنَّا على العدوّ:
شعبٌ يحبُّ بلادَهُ فإِذا … هانتْ فما لبِقائه ثمنُ
وفي المَثَل: “اِسْتَأْتَنَ الحمارُ” صارَ أَتاناً؛ وقولهم كان حماراً فاسْتَأْتَنَ أَي صارَ أَتاناً، يُضرَبُ لمَن يَهُون بعد العِزِّ
2 ـ كيفَ يتكلَّمُ في العلم ويتسنَّمُ مَنابرَه ويُفْتي في فنّ من فنونه مَن لم يكتبْ فيه كتاباً أو مقالةً أو بحثاً محكّماً يشهدُ له بالإجازةِ فيه، بل لم يكتبْ شيئاً مُطلقاً؛ فإنّ العُلماءَ قديماً كانوا لا يَسمحون لطالب العلم أن يُدرّسَ أو يُحاضرَ إلاّ إذا أجيزَ وأتى بما يُشهَدُ له به في ذلك الفنّ. فإنّ المُشاركَةَ في العلم أو في الفنّ من فُنون العلم، شهادةٌ أو إجازةٌ أو سَنَدٌ مُتصلٌ بينَك وبينَ أساتيذ ذلكَ العلم ومصادره ومظانِّه ومَباديه ومُنتَهى القول فيه والإشكالات المُثارَة فيه والمُقارَبات المُعتَمَدة والمَناهج المُتوسَّل بها…
وليسَ كلُّ مَن أعجَبَه فنّ ادّعى أنّه متخصصٌ فيه ومُحللٌ ومناقشٌ ومُمدٌّ طلاّبَ العلم بأصوله وقَواعده؛ ولَقَد صدَقَ المتنبي إذ قالَ:
إِذا كانَ مَدحٌ فَالنَسيبُ المُقَدَّمُ *** أَكُلُّ فَصيحٍ قالَ شِعراً مُتَيَّمُ
3 ـ من غرائب الأضداد ومَجْمَع النقائض في بلاد العَجائب، أنّ الفقيرَ يُطعمُ الغنيَّ ويَكسوه ويحملُه على ظهرِه، وأنّ القَتيلَ يُمكّنُ القاتلَ من نفسِه كالشاةِ بين يَدي صاحبِها، فَما غَنِيَ أولئك إلا لأنّ هؤلاءِ مَنحوهم أرضَهم وديارَهم ومنحوا أقدامَهم مَواطئَ نفيسةً وأجسامَهم ثيابا ناعمةً ونساءَهم حليّاً نادرةً من مناجمِهم التي في بطون أرَضيهم، لا يعلَمونَها ولا اكتَشَفوها من قبلُ، فذلكَ مَبْدأ قصّةِ استيلاءِ الفقيرِ أصلاً على الغنيّ أصلاً غيرَ أنّ الغنيَّ في الأصلِ جاهلٌ بغناه وفقرِ المُسْتَوْلي عليه، والفقيرُ عالمٌ بفقرِه وغنى ضحيّتِه، وأوْهَمَ الفقيرُ العالِمُ بفقرِه ضحيَّتَه الغنيَّ الجاهلَ بغِناه أنّه حَمَلَ إليه الحضارَةَ والنُّعومةَ ولِينَ العَيْش، ليُخرِجَه من ظُلُماتِ الجهالَةِ ورُعونةِ البَداوَة، فصدَّقَ الجاهلُ أُخْدوعَةَ العارِف، واكتَسَبَ دُخولُ الدَّخيلِ مدخلاً قانونياً لا يُنازَع فيه، وظلَّ الحالُ على ما نشأ عليه، فتلك قصّةُ المدنيّةِ الحديثَة التي بُنِيَت على جُثثِ البَشَرِ وأنقاض العِظامِ، فنشأت من هذا “المركَّبِ التّضادّيّ” مسالكُ وممالكُ وأفضَت فيما بعدُ إلى حروبٍ ومَهالِك.
4 ـ واجبُ المَرحَلَة: إنقاذ الناشئة :
يَشهدُ المجتَمَع حَرَكةً غَريبةً لا يَبدو أنّها سُبِقَت بمَا يُشبهُها، فهي مرحلةٌ تتسارَع فيها الأحداثُ وتلتلقي وتفترِقُ من غيرِ نَسَقٍ ناظمٍ ولا مقياسٍ ضابط، وأقلُّ ما يُقالُ في المجتَمَع المتحرِّكِ المُتَسارِعةِ خُطاه أنّه مُلْقىً به في بَيداءِ التّلقائيّةِ التي تشبه الذّهولَ والعَفويّةِ وتُناقِضُ الفطرةَ.
وأشدّ ما يَلفتُ الاهتمامَ التربويَّ التّعليميَّ تأثُّر الناشئةِ الجديدةِ بهذا الوضعِ السّلبيّ وتوطينُ تجاربِهم وشخصياتهم عَلَيْه وإنذارُ مستقبل البلد بالثبور.
يسأل السائل: هل يحصلُ الأطفال اليومَ على ثقافةٍ مُحصِّنةٍ تُعِدُّهم لخَوض غمارِ التّحدّي، هل يكتسبون التَّجارِبَ الناجحَة، أو المُنجية على الأقل، التي ثبَتَت جَدواها. الحقيقة أنّك عندَما تسمع الأطفالَ الذين هم في سنّ المدرسة والإعداديّة يتحدّثونَ فأغلبُ حديثِهم كلام في الألعابِ وتحليلِ ظواهِرِها ونتائجها، وإذا غَنَّوا اقتَبَسوا النماذجَ العامّيّةَ الهابطَةَ، في الإنشادِ “الشَّعبيّ” بألفاظه التافهة وحَرَكات الجسم والأغنياتِ الجوفاء والإيقاع السريع، وإذا صمَتوا تَشاغَلوا بوسائل التواصُل الإلكترونيّة مُلقينَ بذَواتهم فيها لتتلقّى ما تُصادفُه وتكون عرضة له، لا للبحثِ عَمّا يَشغَلُها. وهذا مُنذِر مُبكِّر بالفشل.
أما إذا نَبَغَت فئة من التلاميذ والشبابِ في دراساتهم فإن الدّيارَ الغربيّةَ تفتح لهم ذراعَيْها، وتكون لهم بمثابة المَصير والمُستقرّ، وتبقى للوطنِ عَواقِبُ ما أهمَلَه من قِيَم في التعليم والأخلاق، ويبقى له أيضاً هبوطُ منزلةِ التَّعليم بين الدّوَل. والغريبُ أنّه خَطَر قادمٌ لا يستشعرُ هَولَه رُعاةُ الحَقْلِ المَشغولونَ باستعارةِ مناهج فرنسا وتجارِبِها، غير مبالين بهوية وطن ولا عواقب استنساخ.
5 ـ أضعفُ الإيمان:
تأييد المَظلوم لدفع العُدوان، واليقينُ بأنّ الأرضَ وقفٌ لا تنازُلَ عنه، وأولى القبلَتَيْن وثالثُ الحَرَمين رُكن في العَقيدَة. والتقاعُس عن النُّصرَة تَولٍّ، ومُقاطَعَةُ المُمدّينَ واجبٌ، وذمّةُ المسلمين واحدة، فلا يَمرُقَنَّ أحدٌ مُروقَ السَّهم من الرَّميّةِ، ومَن قال بلسانه أو حالِه: لا يَعنيني فلْيُراجعْ نفسَه